و ماذا لو امتلكت إيران السلاح النووي؟
يبدو أن شعوبنا العربية لم تتعلم كثيرا من الدروس من تجاربها مع أنظمة الشعارات والأيديولوجيات الكبيرة،فالعاطفة ما زالت تعلو على العقل والمراهنة على المنقذ الخارجي لها الأولوية على المراهنة على الذات ،ولان الأنظمة والنخب السياسية تفهم حقيقة الثقافة السائدة عند شعوبها ولا تحترم شعوبها ،فبدلا من تغيير هذه الثقافة والرقي بها نحو العقلانية وثقافة الإنجاز،تجدد هيمنتها في كل حقبة بأيديولوجية جديدة وأوهام جديدة .عندما تلجأ أنظمة ونخب للايدولوجيا لاكتساب شعبية فهذا معناه عجزها عن اكتساب شرعية حقيقية من خلال الإنجاز وصناديق الانتخابات.
كل شيء عندنا يؤدلَج ويتحول لشعارات كبيرة .انتماءات: الوطنية والقومية والإسلام، تمت أدلجتها فأُخرِجت من سياقها وتحولت لأدوات قمع وتخدير للشعوب ولطائفية مثيرة للفتن،حتى الديمقراطية تمت ادلجتها فلم تعد وسيلة لتحقيق الحياة الكريمة والحرية للمواطنين ،بل صيروها شعارات ومؤسسات شكلية وهدفا بحد ذاتها ،وأخيرا جاء ت إيران لتستعمل سلاحا أيديولوجيا مزدوجا وعابرا للحدود ،أيديولوجيا الدين والقوة الصاروخية والنووية وهذه سابقة في المنطقة ، الحديث عن القوة الصاروخية وامتلاك قدرات نووية أو التلميح بامتلاك سلاح نووي يصبح أيديولوجيا عندما يتم فصله عن العوامل الأخرى لقوة الدولة ،أصبح الحديث عن القوة لا يعكس حقيقة قوة الدولة،وهذا ما لمسناه من خلال قوة المعارضة التي خرجت أثناء وبعد الانتخابات الأخيرة في إيران ومؤشرات الوضع الاقتصادي .
عندما قام الخميني بثورته عام 1979 واسقط نظام الشاه أستبشر قطاع واسع من الشعوب العربية والإسلامية خيرا وخصوصا أن الثورة رفعت شعارات معادية للامبريالية والصهيونية وحولت السفارة الإسرائيلية لسفارة فلسطين،كما أن نظام الشاه لم يكن بالنظام الذي يستحق الدفاع عنه، فالفساد كان ينخره داخليا وتبعيته للغرب كانت تجعله أداة لتنفيذ سياساته وخصوصا سياسة واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.لم يكن واردا آنذاك التفكير بأن الثورة الإسلامية تخفي مشروعا فارسيا شيعيا توسعيا،فالأنظمة العربية القائمة آنذاك كانت على درجة من القوة والثقة بالنفس بما جعلها تستبعد التفكير بالثورة الإيرانية من هذا المنطلق، كما أن تبعية غالبية الدول الخليجية للغرب كان يجعلها مطمئنة على وجودها ومصالحها متصورة أن الغرب لن يضحي بها لمصلحة أي نظام آخر، والشعوب العربية تعودت على تعايش الطوائف بسلام ،سواء كان تعايشا بإكراه أنظمة استبدادية أو تعايش تسامح وجوار كرسته عقود من العيش المشترك والنضال المشترك ضد الاستعمار ،آنذاك كان الوجه الإسلامي التحرري للثورة أكثر سطوعا من التوجه القومي الفارسي الشيعي.
في بداية عهدها استقطبت الثورة الإيرانية قطاعا كبيرا من الشعوب العربية والإسلامية حتى السنية منها، ذلك أن هذه الشعوب المقهورة والمضطهدة في بلدانها والتي تكِن درجة كبيرة من العداء للغرب وللصهيونية تجري دائما كالمخدرة وراء كل من يرفع شعارات كبيرة ضد الامبريالية والصهيونية دون الغوص في السياسات الحقيقية والأهداف الخفية لهذه الأنظمة ذات الشعارات الكبيرة،حتى عندما حذر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من الأهداف التوسعية الإيرانية والتوظيف الديني لتحقيق هذه الأهداف لم تؤخذ تحذيراته من طرف كثير من المفكرين والمثقفين مأخذ الجد وفسروا تحالف دول الخليج معه أثناء الحرب العراقية الإيرانية بأنه جزء من مخطط استعماري لمحاصرة الثورة الإيرانية ،وان صدام حسين يبالغ في تخوفاته عندما يتحدث عن تصدير الثورة الإيرانية.
كان لا بد من انتظار غياب الخميني ونهاية الحرب العراقية الإيرانية والحرب الأولى على العراق 1991 والثانية 2003 ليبرز على السطح وجه مختلف للنظام الإيراني،وجه نظام يريد أن يعيد أمجاد دولة فارسية بأيديولوجية دينية ،على حساب أرض جيرانه وعلى حساب نهج التعايش والتسامح الذي ساد بين مختلف الطوائف في المنطقة.لم يقتصر الأمر على تمسك إيران بالجزر الإماراتية الثلاث –طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبو موسى- وتأكيده على أنها إيرانية، بل امتد بتطلعاته للخليج العربي ودول الجوار،فأكد على أن الخليج فارسي ورفض أي حديث أو إشارة عنه كخليج عربي بل رفض حتى تسميته بالخليج الإسلامي،وبدا بإثارة الشيعة في الدول العربية وخصوصا في العراق والخليج العربي متجاوزا سيادة هذه الدول وحقوق الجيرة ،وتحت راية الإسلام دعم ماليا وعسكريا وإعلاميا كل حركة معارضة تهدد النظم العربية القائمة من فلسطين إلى اليمن .إلا أن اخطر ما قام به هو تحالفه الضمني مع واشنطن –الشيطان الأكبر- لتدمير العراق وتمزيق وحدته الوطنية وانتهاك سيادته، ومحاولاته لتمزيق الوحدة الوطنية لدول خليجية بل والتلويح بفارسية بعض الدول كالبحرين.هذا النهج المعادي للعروبة ولدول الجوار يجري تمريره متخفيا بشعارات كبيرة حول معاداة الإمبريالية والاستعمار وتهديد إسرائيل بالزوال مع تضخيم الحديث عن امتلاك تكنولوجيا نووية وصواريخ بعيدة المدى.
قد يبدو هذا التوصيف لإيران الثورة والدولة منسجما مع ما تقول به دول عربية وخصوصا المنتمية لما يسمى معسكر الاعتدال،أيضا منسجما مع المواقف الغربية تجاه إيران،ولكن دعونا نناقش الأمر ونبحث بروية في السياسة الإيرانية في المنطقة ،وأين يمكن الالتقاء مع النظام في إيران وأين نختلف معه ونعارضه؟.لا شك أن من حق إيران امتلاك القوة بكل مكوناتها ومن حقها بناء دولتها القومية ومن حقها أيضا أن تتبنى العقيدة السياسية التي تريدها،وإن كانت قوة إيران النووية – سلمية أو عسكرية- وقوتها الصاروخية تثير حفيظة بلدان عربية فالخطأ ليس في إيران ولكن في الدول العربية التي لا تريد أو لا تستطيع امتلاك هذه القوة،وإن كانت إيران توظف الدين كأيديولوجيا تعبوية وتحريضية داخل نطاق سيادتها فهذا من حقها والأمر يعود للشعب الإيراني ومدى قبوله بهذه الإيديولوجية،وإن كانت إيران تريد إثبات حضورها في إطار القانون الدولي كدولة فاعلة في الخليج فهذا أيضا من حقها ما دام الخليج أصبح مستباحا من كل دول العالم وخصوصا الكبرى .في هذا المستوى لا تلام إيران . اللوم والنقد يوجه لإيران عندما توظف الدين كأداة للتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وتوظفه لإثارة الفتنة في فلسطين والعراق ولبنان واليمن والسعودية،الخ، تلام إيران عندما تغرر بمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين وتزعم بأنها تبني قوتها النووية والصاروخية لتدمير إسرائيل وإبادتها ،فيما كل عاقل يعرف بأن ما يهم إيران هو مصالحها القومية وتطلعاتها التوسعية في الخليج،وإنها عندما تتحدث عن فلسطين والقدس فعيونها على العراق والبحرين والإمارات والخليج العربي،النظام الإيراني لن يعرض مصالحه الإستراتيجية بل وجوده للخطر،بضرب إسرائيل بالصواريخ أو تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة،والسلاح الذي تبنيه إيران ليس من اجل فلسطين والإسلام بل من أجل المشروع الفارسي الشيعي،وإيران من اجل هذا المشروع مستعدة للتحالف مع الامبريالية الأمريكية كما يجرى في العراق وأفغانستان ،وللمفارقة أن أفضل علاقة لإيران مع دول الخليج هي القائمة مع قطر التي يوجد بها اكبر قاعدة عدوانية أمريكية!.
يرى البعض أن واشنطن توظف دول الاعتدال العربي وخصوصا مصر والسعودية لمحاصرة إيران والحد من نفوذها،فيما نرى أن واشنطن والغرب يوظفوا إيران بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإضعاف مصر والسعودية وبقية الدول العربية،وما جرى من تنسيق وتحالف بين إيران وواشنطن لتدمير العراقي يجري بطريقة غير مباشرة هاتين الدولتين العربيتين.لا شك أن النظامين الحاكمين في مصر والسعودية ليسا بمستوى طموح وتطلعات شعوبهم ،ولكن مصر والسعودية كشعبين وموقع وتاريخ أكثر تهديدا مستقبلا للمصالح الأمريكية ولإسرائيل من إيران.إي من هاتين الدولتين يمكنها أن تكون قاعدة منطلق لتوحيد المسلمين أو لتوحيد العرب لأنهما دولتان مسلمتان سنيتان ودولتان عربيتان،أما إيران فلا يمكنها توحيد المسلمين لأنها دولة شيعية ولا يمكنها توحيد العرب لأنها دولة فارسية،المشروع الفارسي الشيعي الذي تمثله إيران لا يمكنه أن يكون إلا معاديا للمشروع القومي الوحدوي العربي ولأي مشروع وحدوي إسلامي.
لا شك أن سعي إيران للحصول على القدرات النووية بما في ذلك السلاح النووي حق من حقوقها السيادية كما هو حق لأي دولة تستطيع ذلك ،فلا يعقل أن تكون القوة النووية حكرا على الدول الكبرى التي تستغل شعوب العالم الثالث، وحكرا على إسرائيل الكيان العدواني الذي يحتل أرض العرب ويهدد جيرانه،والمشكلة كما ذكرنا ليس في سعي إيران للحصول على هذه القدرة بل في توظيفها لذلك لخداع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بالزعم بأن هذه القوة والقدرة ستوجه لتدمير إسرائيل،فيما لم يُقتل ولو جندي إيراني واحد من اجل فلسطيني والقدس منذ الثورة الإيرانية حتى الآن!،ويمكن للجميع ان يتساءل ماذا فعلت إيران من اجل القدس التي تُهود كل يوم ومن اجل الضفة التي تُصادر بالاستيطان ومن اجل غزة التي تتعرض لعدوان وحصار لا سابق له؟.ولكن الخطأ الأكبر يكمن في الأحزاب والجمهور العربي الذي يصدق المزاعم الإيرانية ويضخمها بالحديث عن القنبلة الإسلامية ويتناسى هؤلاء أن باكستان دولة إسلامية وسنية وتملك قنبلة نووية،فماذا نفعتنا القنبلة الإسلامية الباكستانية وماذا نفعت الشعب الباكستاني نفسه وهو يعيش حربا أهلية؟وإذا ما استمرت الأوضاع في باكستان بالتدهور فقد تفرض الدول الكبرى أو الأمم المتحدة وصاية دولية على الترسانة النووية الباكستانية.
إذن ماذا لو امتلكت إيران سلاحا نوويا وقوة صاروخية جبارة ؟ماذا سيستفيد الشعب الفلسطيني وماذا ستستفيد الأمة الإسلامية ذات الأغلبية السنية؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق