اوباما متحدثاً في القاهرة
النص الكامل لخطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما الذى ألقاه بجامعة القاهرة الخميس كما أذاعه البيت الأبيض الامريكى:الرئيس أوباما: شكرا جزيلا، وطاب عصركم، إنه لمن دواعى شرفى أن أزور مدينة القاهرة الآزلية، حيث تستضيفنى فيها مؤسستان مرموقتان للغاية، أحدهما الأزهر الذي بقى لأكثر من ألف سنة منارة العلوم الإسلامية، بينما كانت جامعة القاهرة على مدى أكثر من قرن بمثابة منهل من مناهل التقدم فى مصر. ومعا تمثلان حسن الإتساق والإنسجام مابين التقاليد والتقدم.
وإننى ممتن لكم لحسن ضيافتكم ولحفاوة شعب مصر.
كما أننى فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأمريكى لكم مقرونة بتحية السلام من المجتمعات المحلية المسلمة فى بلدى:"السلام عليكم "...إننا نلتقى فى وقت يشوبه توتر كبير بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم، وهو توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أى نقاش سياسى راهن. وتشمل العلاقة مابين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون، كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية. وساهم الإستعمار خلال العصر الحديث فى تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص، كما ساهمت فى تلك الحربالباردة التى عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة، وعلاوة على ذلك حدا التغيير الكاسح الذى رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى إعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.لقد إستغل المتطرفون الذين يمارسون العنف هذه التوترات عند أقلية صغيرة من المسلمين بشكل فعال. ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001، واستمر هؤلاء المتطرفون فى مساعيهم الرامية إلى إرتكاب أعمال العنف ضد المدنيين.. الأمر الذى حدا بالبعض فى بلدى إلى إعتبار الإسلام معاديا لا محالة ليس فقط لأمريكا وللبلدان الغربية، وإنما أيضا لحقوق الإنسان. ونتج عن كل ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة.هذا ومالم نتوقف عن تحديد مفهوم علاقاتنا المشتركة من خلال أوجه الإختلاف فيما بيننا، فإننا سنساهم فى تمكين أولئك الذين يزرعون الكراهية ويرجحونها على السلام ويروجون للصراعات ويرجحونها على التعاون الذى من شأنه أن يساعد شعوبنا على تحقيقالعدالة والإزدهار. ويجب أن تتوقف هذه الدائرة من الإرتياب والشقاق.
لقد أتيت إلى القاهرة للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم إستنادا إلى المصلحة المشتركة والإحترام المتبادل. وهى بداية مبنية على أساس حقيقة أن أمريكا والإسلام لايعارضان بعضهما البعض ولا داعى أبدا للتنافس فيما بينهما، بل ولهما قواسم ومبادىء مشتركة يلتقيان عبرها، ألا وهى مبادىء العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.إننى أقوم بذلك إدراكا منى بأن التغيير لايحدث بين ليلة وضحاها. وكذلك علما منى بمدى الإهتمام العام فى هذا الخطاب، ولكنه لايمكن لخطاب واحد أن يلغى سنوات من عدم الثقة، كما لايمكننى فى الوقت المحدد لى فى عصر هذا اليوم أن أقدم الإجابة على كافة المسائل المعقدة التى أدت بنا إلى هذه النقطة. غير أننى على يقين من أنه يجب علينا من أجل المضى قدما أن نعبر لبعضنا البعض بصراحة عما هو فى قلوبنا وعما هو فى كثير الأحيان لايقال إلا وراء الأبواب المغلقة. كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلى بعضنا البعض، وللتعلم من بعضنا البعض والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة.
وينص القرآن الكريم على مايلى: (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا). وهذا ماسوف أحاول بما فى وسعى أن أفعله اليوم وأن أقول الحقيقة بكل تواضع أمام المهمة التى نحن بصددها.. اعتقادا منى كل الاعتقاد أن المصالح المشتركة بيننا كبشر هى أقوى بكثير من القوى الفاصلة بيننا.
يعود جزء من اعتقادى هذا إلى تجربتى الشخصية. إننى مسيحى, بينما كان والدى من أسرة كينية تشمل أجيالا من المسلمين. ولما كنت صبيا قضيت عدة سنوات فى إندونيسيا واستمعت إلى الآذان ساعات الفجر والمغرب. ولما كنت شابا عملت فى المجتمعات المحلية بمدينة شيكاغو, حيث وجد الكثير من المسلمين فى عقيدتهم روح الكرامة والسلام.
إننى أدرك بحكم دراستى للتاريخ أن الحضارة مدينة للاسلام الذى حمل معه فى أماكن مثل الأزهر نور العلم عبر قرون عدة، الأمر الذى مهد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير. ونجد روح الابتكار الذى ساد المجتمعات الإسلامية، ونجد روح الابتكار الذى ساد المجتمعات الإسلامية وراء تطوير علم الجبر وكذلك البوصلة المغناطيسية وأدوات الملاحة وفن الأقلام والطباعة وبالإضافة إلى فهمنا لانتشار الأمراض وتوفير العلاج المناسب لها. حصلنا بفضل الثقافة الإسلامية على أروقة عظيمة وقمم مستدقة عالية الأرتفاع وكذلك على أشعار وموسيقى خالدة الذكر وفن الخط الراقى وأماكن التأمل السلمى.
وأظهر الإسلام على مدى التاريخ قلبا وقالبا الفرص الكامنة فى التسامح الدينى والمساواة مابين الأعراق.
أعلم كذلك أن الإسلام كان دائما جزءا لايتجزأ من قصة أمريكا, حيث كان المغرب هو الدولة الأولى التى اعترفت ببلدى. وبمناسبة قيام الرئيس الأمريكى الثانى جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس، فقد كتب ذلك الرئيس أن "الولايات المتحدة لاتكن أى نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم".منذ عصر تأسيس بلدنا، ساهم المسلمون الأمريكان فى إثراء الولايات المتحدة.
لقد قاتلوا فى حروبنا وخدموا فى المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية، كما قاموا بالتدريس فى جامعاتنا وتفوقوا فى الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعا وأشعلوا الشعلة الأولمبية.
وعندما تم أخيرا انتخاب أول مسلم أمريكى إلى الكونجرس؛ فقام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدما فى ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم التى احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين, توماس جيفرسون, فى مكتبته الخاصة.إننى إذن تعرفت على الإسلام فى قارات ثلاث قبل مجيئى إلى المنطقة التى نشأ فيها الإسلام. ومن منطلق تجربتى الشخصية استمد اعتقادى بأن الشراكة بين أمريكا والإسلام يجب أن تستند إلى حقيقة الإسلام وليس إلى ماهو غير إسلامى، وأرى فى ذلك جزءا من مسئوليتى كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت.لكن نفس المبدأ يجب أن ينطبق على صورة أمريكا لدى المسلمين، ومثلما لاتنطبق على المسلمين الصورة النمطية البدائية، فإن الصورة النمطية البدائية للامبراطورية التى لاتهتم إلا بمصالح نفسها لاتنطبق على أمريكا.
وكانت الولايات المتحدة أحد أكبر المناهل للتقدم عبر تاريخ العالم. وقمنا من ثورة ضد إحدى الأمبراطوريات، وأسست دولتنا على أساس مثال مفاده أن جميع البشر قد خلقوا سواسية، كما سالت دماؤنا فى الصراعات عبر القرون لإضفاء المعنى على هذه الكلمات بداخل حدودنا وفى مختلف أرجاء العالم.
وقد ساهمت كافة الثقافات من كل أنحاء الكرة الأرضية فى تكويننا تكريسا لمفهوم بالغ البساطة باللغة اللاتينية: التى تعنى- من الكثير واحد.
لقد تم تعليق أهمية كبيرة على إمكانية إنتخاب شخص من أصل أمريكى إفريقى يدعى باراك حسين أوباما الى منصب الرئيس. ولكن قصتى الشخصية ليست فريدة الى هذا الحد. ولم يتحقق حلم الفرص المتاحة للجميع بالنسبة لكل فرد فى أمريكا، ولكن الوعد هو قائم بالنسبة لجميع من يصل الى شواطئنا, ويشمل ذلك ما يضاهى 7 ملايين من المسلمين الأمريكان فى بلدنا اليوم.
وبالمناسبة يحظى المسلمون الأمريكان بدخل ومستوى للتعليم يعتبران أعلى مما يحظى به معدل الأمريكيين.علاوة على ذلك لا يمكن فصل الحرية فى أمريكا عن حرية إقامة الشعائر الدينية.
كما أن ذلك السبب وراء وجود مسجد فى كل ولاية من الولايات المتحدة ووجود أكثر من1200 مسجد داخل حدودنا.
وأيضا السبب وراء خوض الحكومة الأمريكية إجراءات المقاضاة من أجل صون حق النساء والفتيات فى إرتداء الحجاب ومعاقبة من يتجرأ على حرمانهن من ذلك الحق.
ليس هناك أى شك من أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أمريكا. وأعتقد أن أمريكا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الإجتماعية: ألا وهى تطلعات العيش فى ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التى نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا.
هذه هى قواسمنا المشتركة وهى تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء .يمثل إدراك أوجه الإنسانية المشتركة فيما بيننا بطبيعة الحال مجرد البداية لمهمتنا. إن الكلمات وحدها لا تستطيع سد إحتياجات شعوبنا ولن نسد هذه الإحتياجات إلا إذا عملنا بشجاعة على مدى السنين القادمة, وإذا أدركنا حقيقة أن التحديات التى نواجهها هى تحديات مشتركة, وإذا أخفقنا فى التصدى لها, سوف يلحق ذلك الأذى بنا جميعا.
لقد تعلمنا من تجاربنا الأخيرة ما يحدث من إلحاق الضرر بالرفاهية فى كل مكان إذا ضعف النظام المالى فى بلد واحد.
وإذا اصيب شخص واحد بالإنفلونزا؛ فيعرض ذلك الجميع للخطر. وإذا سعى بلد واحد وراء إمتلاك السلاح النووى؛ فيزداد خطر وقوع هجوم نووى بالنسبة لكل الدول. وعندما يمارس المتطرفون العنف فى منطقة جبلية واحدة؛ يعرض ذلك الناس من وراء البحار للخطر، وعندما يتم ذبح الأبرياء فى البوسنة ودارفور؛ يسبب ذلك وصمة فى ضميرنا المشترك. هذا هو معنى التشارك فى هذا العالم بالقرن الحادى والعشرين، وهذه هى المسئولية التى يتحملها كل منا تجاه الآخر كأبناء البشرية .
إنها مسئولية تصعب مباشرتها, وكان تاريخ البشرية فى كثير من الأحيان بمثابة سجل من الشعوب والقبائل وحتى من الأديان التى قمعت بعضها البعض سعيا وراء تحقيق مصلحتها الخاصة, ولكن فى عصرنا الحديث تؤدى مثل هذه التوجهات الى إلحاق الهزيمة بالنفس, ونظرا الى الاعتماد الدولى المتبادل فأى نظام عالمى يعلى شعبا أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل لا محالة. وبغض النظر عن أفكارنا حول أحداث الماضى؛ فلا يجب أن نصبح أبدا سجناء لأحداث قد مضت.
إنما يجب معالجة مشاكلنا بواسطة الشراكة، كما يجب أن نحقق التقدم بصفة مشتركة.لا يعنى ذلك بالنسبة لنا أن نفضل التغاضى عن مصادر التوتر, وفى الحقيقة فإن العكس هو الأرجح: يجب علينا مجابهة هذه التوترات بصفة مفتوحة. واسمحوا لى إنطلاقا من هذه الروح أن أتطرق بمنتهى الصراحة وأكبر قدر ممكن من البساطة الى بعض الأمور المحددة التى أعتقد أنه يتعين علينا مواجهتها فى نهاية المطاف بجهد مشترك.
إن المسألة الأولى التى يجب أن نجابهها هى التطرف العنيف بكافة أشكاله.وقد صرحت بمدينة أنقرة بكل وضوح أن أمريكا ليست ولن تكون أبدا فى حالة حرب مع الإسلام وعلى أية حال لن نتوانى فى التصدى لمتطرفى العنف الذين يشكلون تهديدا جسيما لأمننا؛ والسبب هو أننا نرفض مايرفضه أهل كافة المعتقدات: قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.
كما أنه واجبى الأول كرئيس أن أتولى حماية الشعب الأمريكى.
يبين الوضع فى أفغانستان أهداف أمريكا وحاجتنا إلى العمل المشترك. وقبل أكثر من سبع سنوات، قامت الولايات المتحدة بملاحقة تنظيم القاعدة ونظام طالبان بدعم دولى واسع النطاق. لم نذهب إلى هناك باختيارنا، وإنما بسبب الضرورة. إننى على وعى بوجود البعض الذين لايزالون يشكون فى أحداث 11 سبتمبر أو حتى يقومون بتبرير تلك الأحداث.
ولكن دعونا أن نكون صريحين: قامتنظيم القاعدةبقتل مايضاهى 3000 شخص فى ذلك اليوم. وكان الضحايا من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من أبناء أمريكا والعديد من الشعوب الأخرى الذين لم يلحقوا الأذى بأحد. ورغم ذلك، إختارت القاعدة بلا ضمير قتل هؤلاء الأبرياء وتباهت بالهجوم، وأكدت إلى الآن عزمها على إرتكاب القتل مجددا وبأعداد ضخمة.
إن هناك للقاعدة من ينتسبون لها فى عدة بلدان وممن يسعون إلى توسعة نطاق إنشطتهم. وما أقوله ليس بآراء قابلة للنقاش، وإنما هى حقائق يجب معالجتها.ولابد أن تكونوا على علم بأننا لانريد من جيشنا أن يبقى فى أفغانستان, ولا نرى أو بالأحرى لا نسعى لإقامة قواعد عسكرية هناك. خسائرنا بين الشباب والشابات هناك تسبب لأمريكا بالغ الأذى. كما يسبب إستمرار هذا النزاع تكاليف باهظة ومصاعب سياسية جمة.
ونريد بكل سرور أن نرحب بكافة جنودنا وهم عائدون إلى الوطن, إذا إستطعنا أن نكون واثقين من عدم وجود متطرفى العنف فى إفغانستان، والآن فى باكستان والذين يحرصون على قتل أكبر عدد من الأمريكيين. ولكن لسنا واثقين من ذلك بعد.ولذلك نتعاون فى إطار الشراكة مع تحالف دولى يضم 46 بلدا. ورغم التكاليف الباهظة، لن يتوانى التزام أمريكا بشىء. وفى الحقيقة لاينبغى على أحد منا أن يتسامح مع أولئك المتطرفين. لقد مارسوا القتل فى كثير من البلدان . لقد قتلوا أبناء مختلف العقائد, ولكن معظم ضحاياهم من المسلمين.
إن أعمالهم غير متطابقة على الإطلاق مع كل من حقوق البشر وتقدم الأمم والإسلام. وينص القرآن الكريم على أن من قتل نفسا بغير نفس (أو فساد فى الارض) فكأنما قتل الناس جميعا, كما يأتى فى القرآن الكريم أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
ولا شك أن العقيدة الثابتة- التى يتمتع بها أكثر من مليار شخص- تفوق عظمتها بشكل كبير الكراهية الضيقة الكامنة فى صدور البعض.
إن الإسلام ليس جزءا من المشكلة المتلخصة فى مكافحة التطرف العنيف, وإنما يلعب الإسلام دورا هاما فى دعم السلام.علاوة على ذلك، نعلم أن القوة العسكرية وحدها لن تكفى لحل المشاكل فى كل من أفغانستان وباكستان. ولذلك وضعنا خطة لاستثمار 5ر1 مليار دولار سنوريا على مدى السنوات الخمس القادمة لإقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية، وكذلك توفير مئات الملايين لمساعدة النازحين.
وهذا أيضا السبب وراء قيامنا بتخصيص مايربو على 8ر2 مليار دولار لمساعدة الأفغان على تنمية إقتصادهم وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب.
إسمحوا لى أيضا أن أتطرق إلى موضوع العراق . لقد إختلف الوضع هناك عن الوضع فى أفغانتسان، حيث وقع القرار بحرب العراق بصفة إختيارية؛ مما آثار خلافات شديدة سواء فى بلدى أو فى الخارج . ورغم إعتقادى بأن الشعب العراقى فى نهاية المطاف هو الطرف الكاسب فى معادلة التخلص من الطاغية صدام حسين، إلا أننى أعتقد أيضا أن أحداث العراق قد ذكرت أمريكا بضرورة إستخدام الدبلوماسية وبناء الإجماع الدولى لتسوية مشاكلنا كلما كان ذلك ممكنا.
وفى الحقيقة، إننا نستذكر كلمات توماس جيفرسون الذى قال "إننى أتمنى أن تنمو حكمتنا بقدر ما تنمو قوتنا، وأن تعلمنا هذه الحكمة درسا مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل إستخدامها".تتحمل أمريكا اليوم مسئولية مزدوجة تتلخص فى مساعدة العراق على بناء مستقبل أفضل, وترك العراق للعراقيين. إننى أوضحت للشعب العراقى- أننا لا نسعى لإقامة أية قواعد فى العراق أو لمطالبة العراق بآي من أراضيه أو موارده.
يتمتع العراق بسيادته الخاصة به بمفرده . لذا أصدرت الأوامر بسحب الوحدات القتالية مع حلول شهر أغسطس القادم؛ ولذا سوف نحترم الإتفاق المبرم مع الحكومة العراقية المنتخبة بأسلوب ديمقراطى والذى يقتضى سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول شهر يوليو وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول عام 2012. سوف نساعد العراق على تدريب قواته الأمنية وتنمية اقتصاده. ولكننا سنقدم الدعم للعراق الآمن والموحد بصفتنا شريكا له وليس بصفة الراعى .وأخيرا مثلما لا يمكن لأمريكا أن تتسامح مع عنف المتطرفين, فلا يجب علينا أن نقوم بتغيير إهمال مبادئنا أبدا. قد ألحقت أحداث 11 سبتمبر إصابة ضخمة ببلدنا, حيث يمكن تفهم مدى الخوف والغضب الذى خلفته تلك الأحداث، ولكن فى بعض الحالات أدى ذلك إلى القيام بأعمال تخالف تقاليدنا ومبادئنا.إننا نتخذ إجراءات محددة لتغيير الإتجاه. وقد قمت بمنع إستخدام أساليب التعذيب من قبل الولايات المتحدة منعا باتا، كما أصدرت الأوامر بإغلاق السجن فى خليج جوانتانامو مع حلول مطلع العام القادم .نحن فى أمريكا سوف ندافع عن أنفسنا محترمين فى ذلك سيادة الدول وحكم القانون .
وسوف نقوم بذلك فى إطار الشراكة بيننا وبين المجتمعات الإسلامية التى يحدث بها الخطر أيضا, لأننا سنحقق مستوى أعلى من الأمن فى وقت أقرب إذا نجحنا بصفة سريعة فى عزل المتطرفين مع عدم التسامح لهم داخل المجتمعات الإسلامية.
أما المصدر الرئيسى الثانى للتوتر الذى أود مناقشته هو الوضع ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربى.إن متانة الأواصر بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا, وهى تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية وكذلك الإعتراف بأن رغبة اليهود فى وجود وطن خاص لهم هى رغبة متأصلة فى تاريخ مأساوى لا يمكن لأحد نفيه.لقد تعرض اليهود حول العالم للاضطهاد على مر القرون, وتفاقمت أحوال معاداة السامية فى وقوع المحرقة التى لم يسبق لها عبر التاريخ أى مثيل. وإننى سوف أقوم غدا بزيارة معسكر "بوخنفالد" الذى كان جزءا من شبكة معسكرات الموت التى استخدمها الرايخ الثالث لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود رميا بالأسلحة النارية وتسميما بالغازات. لقد تم قتل 6 ملايين من اليهود, يعنى أكثر من إجمالى عدد اليهود بين سكان إسرائيل اليوم. إن نفى هذه الحقيقة هو أمر لا أساس له وينم عن الجهل وبالغ الكراهية.كما أن تهديد إسرائيل بتدميرها أو تكرار الصور النمطية الحقيرة عن اليهود, هما أمران ظالمان للغاية ولا يخدمان إلا غرض استحضار تلك الأحداث الأكثر إيذاء إلى أذهان الإسرائيليين وكذلك منع حلول السلام الذى يستحقه سكان هذه المنطقة.أما من ناحية أخرى، فلا يمكن نفى أن الشعب الفلسطينى- مسلمين ومسيحيين- قد عانوا أيضا فى سعيهم إلى إقامة وطن خاص لهم، وقد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من ستين سنة، حيث ينتظر العديد منهم فى الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة لكى يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن هذه الحياة التى لم يستطيعوا عيشها حتى الآن. يتحمل الفلسطينيون الإهانات اليومية صغيرة كانت أم كبيرة، والتى هى ناتجة عن الإحتلال.
وليس هناك أى شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق، ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهى تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم.لقد إستمرت حالة الجمود إذن لعشرات السنوات, شعبان لكل منهما طموحاته المشروعة, ولكل منهما تاريخ مؤلم يجعل من التراضى أمرا صعب المنال, إن توجيه اللوم أمر سهل, إذ يشير الفلسطينيون إلى تأسيس دولة إسرائيل وما أدت إليه من تشريد للفلسطينيين, ويشير الإسرائيليون إلى العداء المستمر والإعتداءات التى يتعرضون لها داخل حدود إسرائيل وخارج هذه الحدود على مدى التاريخ.
ولكننا إذا نظرنا إلى هذا الصراع من هذا الجانب أو من الجانب الآخر, فإننا لن نتمكن من رؤيةالحقيقة. لأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا فى سلام وأمن.إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائل ومصلحة فلسطين ومصلحة أمريكا ومصلحة العالم, ولذلك سوف أسعى شخصيا للوصول إلى هذه النتيجة، متحليا بالقدر اللازم الذى تقضيه هذه المهمة من الصبر والتفانى.. إن الإلتزامات التى وافق عليها الطرفان بموجب خريطة الطريق هى إلتزامات واضحة . لقد آن الأوان من أجل إحلال السلام، لكى يتحمل الجانبان مسئولياتهما ولكى نتحمل جميعنا مسئولياتنا كذلك.يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف.. إن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدى إلى النجاح. لقد عانى السود فى أمريكا طوال قرون من الزمن من سوط العبودية ومن مهانة التفرقة والفصل بين البيض والسود، لكن العنف لم يكن السبيل الذى مكنهم من الحصول على حقوقهم الكاملة والمتساوية، بل كان السبيل إلى ذلك إصرارهم وعزمهم السلمى على الالتزام بالمثل التى كانت بمثابة الركيزة التى اعتمد عليها مؤسسو أمريكا، وهذا هو ذات التاريخ الذى شاهدته شعوب كثيرة تشمل شعب جنوب أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا الشرقية وأندونيسيا.وينطوى هذا التاريخ على حقيقة بسيطة، ألا وهى أن طريق العنف طريق مسدود, وأن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين فى مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة، ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوى عن طريق تنفيذ مثل هذه الأعمال , إذ يؤدى هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة.
والآن، على الفلسطينيين تركيز اهتمامهم على الأشياء التى يستطيعون إنجازها, ويجب على السلطة الفلسطينية تنمية قدرتها على ممارسة الحكم من خلال مؤسسات تقدم خدمات للشعب وتلبى احتياجاته، إن تنظيم حماس يحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين، ولكن على تنظيم حماس أن يدرك المسؤوليات التى عليه أن يتحملها، ويتعين على تنظيم حماس أن يضع حدا للعنف وأن يعترف بالاتفاقات السابقة وأن يعترف بحق إسرائيل فى البقاء حتى يؤدى دوره فى تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطينى.وفى نفس الوقت، يجب على الإسرائيليين الإقرار بأن حق فلسطين فى البقاء هو حق لا يمكن إنكاره, مثلما لا يمكن إنكار حق إسرائيل فى البقاء.إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية. إن عمليات البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض من الجهود المبذولة لتحقيق السلام. لقد آن الأوان لكى تتوقف هذه المستوطنات.كما يجب على إسرائيل أن تفى بما التزمت به بشأن تأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم. إن الأزمة الإنسانية المستمرة فى غزة والتى تصيب الأسر الفلسطينية بالهلاك لا توفر الأمن لإسرائيل، كما أن استمرار انعدام الفرص فى الضفة الغربية لا يوفر لإسرائيل الأمن.إن التقدم فى الحياة اليومية التى يعيشها الشعب الفلسطينى يجب أن يكون جزءا هاما من الطريق المؤدى للسلام، ويجب على إسرائيل أن تتخذ خطوات ملموسة لتحقيق مثل هذا التقدم.
وأخيرا، يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية هامة، وأن مسئولياتها لا تنتهى بهذه المبادرة، كما ينبغى عليها أن لا تستخدم الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخرى, بل يجب أن تكون هذه المبادرة سببا لحثهم على العمل لمساعدة الشعب الفلسطينى على تطوير المؤسسات التى سوف تعمل على مساندة دولتهم , ومساعدة الشعب الفلسطينى على الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامى الذى يركز الاهتمام على الماضى.سوف تنسق أمريكا سياساتها مع سياسات أولئك الذين يسعون من أجل السلم, وسوف تكون تصريحاتنا التى تصدر علنا هى ذات التصريحات التى نعبر عنها فى اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب.إننا لا نستطيع أن نفرض السلام، ويدرك كثيرون من المسلمين فى قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفى , وبالمثل، يدرك الكثيرون من الإسرائيليين أن دولة فلسطينية أمر ضرورى .
لقد آن الأوان للقيام بعمل يعتمد على الحقيقة التى يدركها الجميع.لقد سالت دموع الكثيرين وهدرت دماء الكثيرين، وعلينا جميعا تقع مسئولية العمل من أجل ذلك اليوم الذى تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهم يتقدمون فى حياتهم دون خوف, وعندما تصبح الأرض المقدسة التى نشأت فيها الأديان الثلاثة العظيمة مكانا للسلام الذى أراده الله لها، وعندما تصبح مدينة القدس وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين.. المكان الذى يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يتعايشوا فى سلام، تماما كما ورد فى قصة الإسراء، عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم الصلاة معا.
إن المصدر الثالث للتوتر يتعلق باهتمامنا المشترك بحقوق الدول ومسئولياتها بشأن الأسلحة النووية .لقد كان هذا الموضوع مصدرا للتوتر الذى طرأ مؤخرا على العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية التى ظلت لسنوات كثيرة تعبر عن هويتها من خلال موقفها المناهض لبلدى, والتاريخ بين بلدينا تايخ عاصف بالفعل, إذ لعبت الولايات المتحدة فى إبان فترة الحرب الباردة دورا فى الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة بأسلوب ديمقراطى، ولعبت إيران منذ قيام الثورة الإسلامية دورا فى أعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد القوات والمدنيين الأمريكيين. هذا التاريخ تاريخ معروف.لقد أعلنت بوضوح لقادة إيران وشعب إيران أن بلدى بدلا من أن يتقيد بالماضى يقف مستعدا للمضى قدما، والسؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التى تناهضها إيران ولكنه يرتبط بالمستقبل الذى تريد إيران أن تبنيه.إن التغلب على فقدان الثقة الذى استمر لعشرات السنوات سوف يكون صعبا ولكننا سوف نمصى قدما مسلحين بالشجاعة واستقامة النوايا والعزم، سيكون هناك الكثير من القضايا التى سيناقشها البلدان، ونحن مستعدين للمضى قدما دون شروط مسبقة على أساس الإحترام المتبادل. إلا أن الأمر الواضح لجميع المعنيين بموضوع الأسلحة النووية هو أننا قد وصلنا الى نقطة تتطلب الحسم وهى ببساطة لا ترتبط بمصالح أمريكا، ولكنها ترتبط بمنع سباق للتسلح النووى قد يدفع بالمنطقة الى طريق محفوف بالمخاطر .إننى مدرك أن البعض يعترض على حيازة بعض الدول لأسلحة لا توجد مثلها لدى دول أخرى ولا ينبغى على أية دولة أن تختار الدول التى تملك أسلحة نووية، وهذا هو سبب قيامى بالتأكيد مجددا وبشدة على إلتزام أمريكا بالسعى من أجل عدم إمتلاك أى من الدول للأسلحة النووية وينبغى على أية دولة، بما فى ذلك إيران أن يكون لها حق الوصول الى الطاقة النووية السلمية إذا إمتثلت لمسئولياتها بموجب معاهدة منع إنتشار الأسلحة النووية، وهذا الإلتزام هو إلتزام جوهرى فى المعاهدة ويجب الحفاظ عليه من أجل جميع الملتزمين به، وأملى أن يكون هذا الهدف هدفا مشتركا لجميع بلدان المنطقة.إن الموضوع الرابع الذى أريد أن أتطرق إليه هو الديمقراطية.. أعلم أن جدلا حول تعزيز الديمقراطية وحقوق جميع البشر كان يدور خلال السنوات الأخيرة وأن جزءا كبيرا من هذا الجدل كان متصلا بالحرب فى العراق. إسمحوا لى أن أتحدث بوضوح وأقول ما يلى: لا يمكن لأية دولة ولا ينبغى على أية دولة أن تفرض نظاما للحكم على أية دولة أخرى.ومع ذلك، لن يقلل ذلك من إلتزامى تجاه الحكومات التى تعبر عن إرادة الشعب, حيث يتم التعبير عن هذا المبدأ فى كل دولة وفقا لتقاليد شعبها. إن أمريكا لا تفترض أنها تعلم ما هو أفضل شىء بالنسبة للجميع , كما أننا لا نفترض أن تكون نتائج الانتخابات السلمية هى النتائج التى نختارها ومع ذلك يلازمنى إعتقاد راسخ أن جميع البشر يتطلعون لإمتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم فى أسلوب الحكم المتبع فى بلدهم، ويتطلعون للشعور بالثقة فى حكم القانون وفى الإلتزام بالعدالة والمساواة فى تطبيقه, ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وإمتناعها عن نهب أموال الشعب ويتطلعون لحرية إختيار طريقهم فى الحياة. إن هذه الإفكار ليست أفكارا أمريكية فحسب, بل هى حقوق إنسانية وهى لذلك الحقوق التى سوف ندعمها فى كل مكان.لا يوجد طريق سهل ومستقيم لتلبية هذا الوعد، ولكن الأمر الواضح بالتأكيد هو أن الحكومات التى تحمى هذه الحقوق هى فى نهاية المطاف الحكومات التى تتمتع بقدر أكبر من الإستقرار والنجاح والأمن . إن قمع الأفكار لا ينجح أبدا فى القضاء عليها.
إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمى يراعى القانون حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة.. شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب فى ممارستها للحكم.هذا النقطة الأخيرة لها أهميتها لأن البعض لا ينادون بالديمقراطية إلا عندما يكونون خارج مراكز السلطة, ولا يرحمون الغير فى ممارساتهم القمعية لحقوق الآخرين عند وصولهم الى السلطة.إن الحكومة التى تتكون من أفراد الشعب وتدار بواسطة الشعب هى المعيار الوحيد لجميع من يتطلع لشغل مراكز السلطة وذلك بغض النظر عن المكان الذى تتولى فيه مثل هذه الحكومة ممارسة مهامها : إذ يجب على الحكام أن يمارسوا سلطاتهم من خلال التوافق فى الرأى وليس عن طريق الإكراه, ويجب على الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات وأن يشاركوا بروح من التسامح والتراضى ويجب عليهم أن يعطوا مصالح الشعب والأشغال المشروعة للعملية السياسية الأولوية على مصالح الحزب الذى ينتمون اليه.
إن الإنتخابات التى تتم دون هذه العناصر لا تؤدى الى ديمقراطية حقيقية .أما الموضوع الخامس الذى يجب علينا الوقوف أمامه معا فهو موضوع الحرية الدينية.إن التسامح تقليد عريق يفخر به الإسلام. نشاهد هذا التسامح فى تاريخ الأندلس وقرطبة خلال فترة محاكم التفتيش.
لقد شاهدت بنفسى هذا التسامح عندما كنت طفلا فى أندونيسيا, إذ كان المسيحيون فى ذلك البلد الذى يشكل فيه المسلمون الغالبية يمارسون طقوسهم الدينية بحرية. إن روح التسامح التى شاهدتها هناك هى ما نحتاجهاليوم إذ يجب أن تتمتع الشعوب فى جميع البلدان بحرية إختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم على ما تمليه عليه عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التى يختارونها لانفسهم, لان روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين، ومع ذلك تواجه روح التسامح هذه تحديات مختلفة.
ثمة توجه مزعج فى أوساط بعض المسلمين ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقا لموقفه الرافض لعقيدة الآخر.
إن التعددية الدينية هى ثروة يجب الحفاظ عليها، ويجب أن يشمل ذلك الموارنة فى لبنان أو الاقباط فى مصر وإذا كان إخلاصنا صادقا، يجب إصلاح خطوط الإنفصال فى أوساط المسلمين كذلك لأن الإنقسام بين السنيين والشيعيين قد أدى إلى عنف مأساوى، ولا سيما فى العراق.إن الحرية الدينية هى الحرية الاساسية التى تمكن الشعوب من التعايش, ويجب علينا دائما أن نفحص الأساليب التى نتبعها لحماية هذه الحرية , فالقواعد التى تنظم التبرعات الخيرية فى الولايات المتحدة على سبيل المثال أدت إلى تصعيب تأدية فريضة الزكاة بالنسبة للمسلمين، وهذا هو سبب التزامى بالعمل مع الأمريكيين المسلمين لضمان تمكينهم من تأدية فريضة الزكاة.
وبالمثل، من الأهمية بمكان أن تمتنع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم على النحو الذى يعتبرونه مناسبا فعلى سبيل المثال عن طريق فرض الثياب التى ينبغى على المرأةالمسلمة أن ترتديها. إننا ببساطة لا نستطيع التستر على معاداة أى دين من خلال التظاهر بالليبرالية.ينبغى أن يكون الإيمان فى الواقع عاملا للتقارب فيما بيننا، ولذلك نعمل الأن على تأسيس مشاريع جديدة تطوعية فى أمريكا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود .إننا لذلك نرحب بالجهود المماثلة لمبادرة عاهل المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبدالله المتمثلة فى حوار الأديان، كما نرحب بالموقف الريادى الذى إتخذته تركيا فى تحالف الحضارات . إننا نستطيع أن تقوم بجهود حول العالم لتحويل حوار الأديان إلى خدمات تقدمها الأديان يكون من شأنها بناء الجسور التى تربط بين الشعوب وتؤدى بهم إلى تأدية أعمال تدفع إلى الأمام عجلة التقدم لجهودنا الإنسانية المشتركة سواء كان ذلك فى مجال مكافحة الملاريا فى أفريقيا أو توفير الإغاثة فى أعقاب كارثة طبيعية.
إن الموضوع السادس الذى أريد التطرق اليه هو موضوع حقوق المرأة..أعلم- وجمهور الحاضرين يوضح لى ذلك- أعلم أن الجدل حول هذا الموضوع يدور بنشاط وأرفض الرأى الذى يعبر عنه البعض فى الغرب ويعتبر المرأة التى تختار غطاء لشعرها أقل شأنا من غيرها , ولكننى أعتقد أن المرأة التى تحرم من التعليم تحرم كذلك من المساواة. إن البلدان التى تحصل فيها المرأة على تعليم جيد هى غالبا تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية، وهذا ليس من باب الصدفة .إسمحوا لى أن اتحدث بوضوح: إن قضايا مساواة المرأة ليست ببساطة قضايا للاسلام وحده ولقد شاهدنا بلدان غالبية سكانها من المسلمين , مثل تركيا وباكستان وبانجلاديش وأندونيسيا , تنتخب المرأة لتولى قيادة البلد. وفى نفس الوقت يستمر الكفاح من أجل تحقيق المساواة للمرأة فى بعض جوانب الحياة الأمريكية وفى بلدان العالم.أنا مقتنع تماما أن باستطاعة بناتنا تقديم مساهمات إلى مجتمعاتنا تتساوى مع ما يقدمه لها أبناؤنا , وسوف يتم تحقيق التقدم فى رفاهيتنا المشتركة من خلال إتاحة الفرصة لجميع الرجال والنساء لتحقيق كل ما يستطيعون تحقيقه من إنجازات، أنا لا أعتقد أن على المرأة أن تسلك ذات الطريق الذى يختاره الرجل لكى تحقق المساواة معه، كما أحترم كل إمرأة تختار ممارسة دورا تقليديا فى حياتها, ولكن هذا الخيار ينبغى أن يكون للمرأة نفسها. ولذلك سوف تعمل الولايات المتحدة مع أى بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الأمية للفتيات ومساعدتهن على السعى فى سبيل العمل عن طريق توفير التمويل الأصغر الذى يساعد الناس على تحقيق أحلامهم.وأخيرا، أريد أن أتحدث عن التنمية الإقتصادية وتنمية الفرص .أعلم أن الكثيرين يشاهدون تناقشات فى مظاهر العولمة, لأن شبكة الإنترنت وقنوات التلفزيون لديها قدرات لنقل المعرفة والمعلومات، ولديها كذلك قدرات لبث مشاهد جنسية منفرة وفظة وعنف غير عقلانى إلى داخل بيوتهم، وباستطاعة التجارة أن تأتى بثروات وفرص جديدة, ولكنها فى ذات الوقت تحدث فى المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة، وتأتى مشاعر الخوف فى جميع البلدان, حتى فى بلدى, مع هذه التغييرات, وهذا الخوف هو خوف من أن تؤدى الحداثة إلى فقدان السيطرة على خياراتنا الاقتصادية وسياساتنا, والأهم من ذلك, على هوياتنا، وهى الأشياء التى نعتز بها فى مجتمعاتنا وفى أسرنا وفى تقاليدنا وفى عقيدتنا.
ولكنى أعلم أيضا أن التقدم البشرى لا يمكن إنكاره, فالتناقض بين التطور والتقاليد ليس أمرا ضروريا, إذ تمكنت بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية من إحداث تنمية ضخمة لأنظمتها الإقتصادية, وتمكنت فى ذات الوقت من الحفاظ على ثقافتها المتميزة.
وينطبق ذلك على التقدم الباهر الذى شاهده العالم الإسلامى من كوالالمبور إلى دبى , لقد أثبتت المجتمعات الإسلامية منذ قديم الزمان وفى عصرنا الحالى أنها تستطيع أن تتبوأ مركز الطليعة فى الإبتكار والتعليم.وهذا أمر هام، إذ لا يمكن أن تعتمد أية إستراتيجية للتنمية على الثروات المستخرجة من تحت الأرض , ولا يمكن إدامة التنمية مع وجود البطالة فى أوساط الشباب , لقد استمتع عدد كبير من دول الخليج بالثراء المتولد عن النفط، وتبدأ بعض هذه الدول الآن بالتركيز على قدر أعرض من التنمية, ولكن علينا جميعا أن ندرك أن التعليم والإبتكار سيكونان مفتاحا للثروة فى القرن الواحد والعشرين.. ولازال الإستمثار فى هذين المجالين ضئيلا فى عدد كبير من المجتمعات الإسلامية. إننى أؤكد على مثل هذه الإستثمارات فى بلدى, لقد كانت أمريكا فى الماضى تركز إهتمامها على النفط والغاز فى هذا الجزء من العالم, ولكننا نسعى الآن للتعامل مع أمور تشمل أكثر من ذلك.فيما يتعلق بالتعليم، سوف نتوسع فى برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية , مثل تلك التى أتت بوالدى إلى أمريكا. وسوف نقوم فى نفس الوقت بتشجيع عدد أكبر من الأمريكيين على الدراسة فى المجتمعات الإسلامية.
وسوف نوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب فى أمريكا، وسوف نستثمر فى سبل التعليم الإفتراضى للمعلمين والتلاميذ فى جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكترونى, وسوف نستحدث شبكة إلكترونية جديدة لتمكين الشباب فى ولاية كنساس من الإتصال المباشر مع نظرائهم فى القاهرة .وفيما يتعلق بالتنمية الإقتصادية، سوف نستحدث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم فى البلدان التى يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان، وسوف أستضيف مؤتمر قمة لأصحاب المشاريع المبتكرة هذا العام لتحديد كيفية تعميق العلاقات بين الشخصيات القيادية فى مجال العمل التجارى والمهنى والمؤسسات وأصحاب المشاريع الإبتكارية الإجتماعية فى الولايات المتحدة وفى المجتمعات الإسلامية فى جميع أنحاء العالم.
وفيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا، سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التنمية والتطور التكنولوجى فى البلدان التى يشكل فيها المسلمون غالبية السكان, وللمساهمة فى نقل الأفكار إلى السوق حتى تستطيع هذه البلدان إستحداث المزيد من فرص العمل، وسوف تفتتح مراكز للتفوق العلمى فى افريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيان.
وسوف نعين موفدين علميين للتعاون فى برامج من شأنها تطوير مصادر جديدة للطاقة، وإستحداث فرص خضراء للعمل لا تضر بالبيئة وسبل لترقيم السجلات، وتنظيف المياه، وزراعة محاصيل جديدة.واليوم أعلن عن جهود عالمية جديدة مع منظمة المؤتمر الإسلامى للقضاء على مرض شلل الأطفال وسوف نسعى من أجل توسيع الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال والأمهات.يجب إنجاز جميع هذه الأمور عن طريق الشراكة إن الأمريكيين مستعدون للعمل مع المواطنين والحكومات ومع المنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية فى المجمعات الإسلامية حول العالم من أجل مساعدة شعوبنا فى مساعيهم الرامية لتحقيق حياة أفضل.إن معالجة الأمور التى وصفتها لن تكون سهلة، ولكننا نتحمل معا مسئولية ضم صفوفنا والعمل معا نيابة عن العالم الذى نسعى من أجله، وهو عالم لا يهدد فيه المتطرفون شعوبنا.. عالم تعود فيه القوات الأمريكية إلى ديارها، عالم ينعم فيه الفلسطينيون والاسرائيليون بالأمان فى دولة لكل منهم وعالم تستخدم فيه الطاقة النووية لأغراض سلمية، وعالم تعمل فيه الحكومات على خدمة المواطنين وعالم تحظى فيه حقوق جميع البشر بالإحترام هذه هى مصالحنا المشتركة، وهذا هو العالم الذى نسعى من أجله, والسبيل الوحيد لتحقيق هذا العالم هو العمل معا.أعلم أن هناك الكثيرين من المسلمين وغير المسلمين الذين تراودهم الشكوك حول قدرتنا على استهلال هذه البداية، وهناك البعض الذين يسعون إلى تأجيج نيران الفرقة والإنقسام والوقوف فى وجه تحقيق التقدم، ويقترح البعض أن الجهود المبذولة فى هذا الصدد غير مجدية، وأن الاختلاف مصيرنا وأن الحضارات سوف تصطدم حتما، وهناك الكثيرون كذلك الذين يتشككون ببساطة فى إمكانية تحقيق التغيير الحقيقى، فالمخاوف كثيرة وإنعدام الثقة كبير، وقد أدى مرور الأعوام إلى تضخيمها ولكننا لن نتقدم أبدا إلى الأمام إذا أخترنا التقيد بالماضى.
وأريد أن أخاطب الشباب بالتحديد لكى أقول للشباب من جميع الأديان ومن جميع البلدان أنكم أنتم تملكون أكثر من أى شخص آخر القدرة على تحديد معالم هذا العالم وفقا لتخيلاتكم المجددة له .
إن الفترة الزمنية التى نعيش فيها جميعا مع بعضنا البعض فى هذا العالم هى فترة قصيرة، والسؤال المطروح علينا هو هل سنركز إهتمامنا خلال هذه الفترة الزمنية على الأمور التى تفرق بيننا أم سنلتزم بجهود مستديمة للوصول إلى موقف مشترك، وتركيز إهتمامنا على المستقبل الذى نسعى إليه من أجل أبنائنا، واحترام كرامة جميع البشر.إن خوض الحروب أسهل من إنهائها، كما أن توجيه اللوم للآخرين أسهل من أن ننظر إلى ما يدور فى أعماقنا، كما أن ملاحظة الجوانب التى نختلف فيها مع الآخرين أسهل من العثور على الجوانب المشتركة بيننا، ومع ذلك، ينبغى علينا أن نختار الطريق السليم وألا نكتفى بإختيار الطريق السهل. ولكل دين من الأديان قاعدة جوهرية تدعونا لأن نعامل الناس مثلما نريد منهم أن يعاملونا، وتعلو هذه الحقيقة على البلدان والشعوب، وهى عقيدة ليست بجديدة، وهى ليست عقيدة السود أو البيض أو السمر، وليست هذه العقيدة مسيحية أو مسلمة أو يهودية، هى عقيدة الإيمان الذى بدأت نبضاتها فى مهد الحضارة والتى لازالت تنبض اليوم فى قلوب آلاف الملايين من البشر، هى الإيمان بالأخرين: الإيمان الذى أتى بى إلى هنا اليوم.إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذى نسعى من أجله , ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة.. آخذين بعين الإعتبار ما كتب فى القرآن الكريم "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".ونقرأ فى التلمود ما يلى "إن الغرض من النص الكامل للتوراة هو تعزيز السلام " .ويقول لنا الكتاب المقدس "هنيئا لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" .باستطاعة شعوب العالم أن تعيش معا فى سلام. إننا نعلم أن هذه رؤية الرب، وعلينا الآن أن نعمل على الأرض لتحقيق هذه الرؤية.شكرا لكم والسلام عليكم. شكرا جزيلا شكرا.
وإننى ممتن لكم لحسن ضيافتكم ولحفاوة شعب مصر.
كما أننى فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأمريكى لكم مقرونة بتحية السلام من المجتمعات المحلية المسلمة فى بلدى:"السلام عليكم "...إننا نلتقى فى وقت يشوبه توتر كبير بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم، وهو توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أى نقاش سياسى راهن. وتشمل العلاقة مابين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون، كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية. وساهم الإستعمار خلال العصر الحديث فى تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص، كما ساهمت فى تلك الحربالباردة التى عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة، وعلاوة على ذلك حدا التغيير الكاسح الذى رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى إعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.لقد إستغل المتطرفون الذين يمارسون العنف هذه التوترات عند أقلية صغيرة من المسلمين بشكل فعال. ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001، واستمر هؤلاء المتطرفون فى مساعيهم الرامية إلى إرتكاب أعمال العنف ضد المدنيين.. الأمر الذى حدا بالبعض فى بلدى إلى إعتبار الإسلام معاديا لا محالة ليس فقط لأمريكا وللبلدان الغربية، وإنما أيضا لحقوق الإنسان. ونتج عن كل ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة.هذا ومالم نتوقف عن تحديد مفهوم علاقاتنا المشتركة من خلال أوجه الإختلاف فيما بيننا، فإننا سنساهم فى تمكين أولئك الذين يزرعون الكراهية ويرجحونها على السلام ويروجون للصراعات ويرجحونها على التعاون الذى من شأنه أن يساعد شعوبنا على تحقيقالعدالة والإزدهار. ويجب أن تتوقف هذه الدائرة من الإرتياب والشقاق.
لقد أتيت إلى القاهرة للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم إستنادا إلى المصلحة المشتركة والإحترام المتبادل. وهى بداية مبنية على أساس حقيقة أن أمريكا والإسلام لايعارضان بعضهما البعض ولا داعى أبدا للتنافس فيما بينهما، بل ولهما قواسم ومبادىء مشتركة يلتقيان عبرها، ألا وهى مبادىء العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.إننى أقوم بذلك إدراكا منى بأن التغيير لايحدث بين ليلة وضحاها. وكذلك علما منى بمدى الإهتمام العام فى هذا الخطاب، ولكنه لايمكن لخطاب واحد أن يلغى سنوات من عدم الثقة، كما لايمكننى فى الوقت المحدد لى فى عصر هذا اليوم أن أقدم الإجابة على كافة المسائل المعقدة التى أدت بنا إلى هذه النقطة. غير أننى على يقين من أنه يجب علينا من أجل المضى قدما أن نعبر لبعضنا البعض بصراحة عما هو فى قلوبنا وعما هو فى كثير الأحيان لايقال إلا وراء الأبواب المغلقة. كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلى بعضنا البعض، وللتعلم من بعضنا البعض والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة.
وينص القرآن الكريم على مايلى: (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا). وهذا ماسوف أحاول بما فى وسعى أن أفعله اليوم وأن أقول الحقيقة بكل تواضع أمام المهمة التى نحن بصددها.. اعتقادا منى كل الاعتقاد أن المصالح المشتركة بيننا كبشر هى أقوى بكثير من القوى الفاصلة بيننا.
يعود جزء من اعتقادى هذا إلى تجربتى الشخصية. إننى مسيحى, بينما كان والدى من أسرة كينية تشمل أجيالا من المسلمين. ولما كنت صبيا قضيت عدة سنوات فى إندونيسيا واستمعت إلى الآذان ساعات الفجر والمغرب. ولما كنت شابا عملت فى المجتمعات المحلية بمدينة شيكاغو, حيث وجد الكثير من المسلمين فى عقيدتهم روح الكرامة والسلام.
إننى أدرك بحكم دراستى للتاريخ أن الحضارة مدينة للاسلام الذى حمل معه فى أماكن مثل الأزهر نور العلم عبر قرون عدة، الأمر الذى مهد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير. ونجد روح الابتكار الذى ساد المجتمعات الإسلامية، ونجد روح الابتكار الذى ساد المجتمعات الإسلامية وراء تطوير علم الجبر وكذلك البوصلة المغناطيسية وأدوات الملاحة وفن الأقلام والطباعة وبالإضافة إلى فهمنا لانتشار الأمراض وتوفير العلاج المناسب لها. حصلنا بفضل الثقافة الإسلامية على أروقة عظيمة وقمم مستدقة عالية الأرتفاع وكذلك على أشعار وموسيقى خالدة الذكر وفن الخط الراقى وأماكن التأمل السلمى.
وأظهر الإسلام على مدى التاريخ قلبا وقالبا الفرص الكامنة فى التسامح الدينى والمساواة مابين الأعراق.
أعلم كذلك أن الإسلام كان دائما جزءا لايتجزأ من قصة أمريكا, حيث كان المغرب هو الدولة الأولى التى اعترفت ببلدى. وبمناسبة قيام الرئيس الأمريكى الثانى جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس، فقد كتب ذلك الرئيس أن "الولايات المتحدة لاتكن أى نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم".منذ عصر تأسيس بلدنا، ساهم المسلمون الأمريكان فى إثراء الولايات المتحدة.
لقد قاتلوا فى حروبنا وخدموا فى المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية، كما قاموا بالتدريس فى جامعاتنا وتفوقوا فى الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعا وأشعلوا الشعلة الأولمبية.
وعندما تم أخيرا انتخاب أول مسلم أمريكى إلى الكونجرس؛ فقام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدما فى ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم التى احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين, توماس جيفرسون, فى مكتبته الخاصة.إننى إذن تعرفت على الإسلام فى قارات ثلاث قبل مجيئى إلى المنطقة التى نشأ فيها الإسلام. ومن منطلق تجربتى الشخصية استمد اعتقادى بأن الشراكة بين أمريكا والإسلام يجب أن تستند إلى حقيقة الإسلام وليس إلى ماهو غير إسلامى، وأرى فى ذلك جزءا من مسئوليتى كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت.لكن نفس المبدأ يجب أن ينطبق على صورة أمريكا لدى المسلمين، ومثلما لاتنطبق على المسلمين الصورة النمطية البدائية، فإن الصورة النمطية البدائية للامبراطورية التى لاتهتم إلا بمصالح نفسها لاتنطبق على أمريكا.
وكانت الولايات المتحدة أحد أكبر المناهل للتقدم عبر تاريخ العالم. وقمنا من ثورة ضد إحدى الأمبراطوريات، وأسست دولتنا على أساس مثال مفاده أن جميع البشر قد خلقوا سواسية، كما سالت دماؤنا فى الصراعات عبر القرون لإضفاء المعنى على هذه الكلمات بداخل حدودنا وفى مختلف أرجاء العالم.
وقد ساهمت كافة الثقافات من كل أنحاء الكرة الأرضية فى تكويننا تكريسا لمفهوم بالغ البساطة باللغة اللاتينية: التى تعنى- من الكثير واحد.
لقد تم تعليق أهمية كبيرة على إمكانية إنتخاب شخص من أصل أمريكى إفريقى يدعى باراك حسين أوباما الى منصب الرئيس. ولكن قصتى الشخصية ليست فريدة الى هذا الحد. ولم يتحقق حلم الفرص المتاحة للجميع بالنسبة لكل فرد فى أمريكا، ولكن الوعد هو قائم بالنسبة لجميع من يصل الى شواطئنا, ويشمل ذلك ما يضاهى 7 ملايين من المسلمين الأمريكان فى بلدنا اليوم.
وبالمناسبة يحظى المسلمون الأمريكان بدخل ومستوى للتعليم يعتبران أعلى مما يحظى به معدل الأمريكيين.علاوة على ذلك لا يمكن فصل الحرية فى أمريكا عن حرية إقامة الشعائر الدينية.
كما أن ذلك السبب وراء وجود مسجد فى كل ولاية من الولايات المتحدة ووجود أكثر من1200 مسجد داخل حدودنا.
وأيضا السبب وراء خوض الحكومة الأمريكية إجراءات المقاضاة من أجل صون حق النساء والفتيات فى إرتداء الحجاب ومعاقبة من يتجرأ على حرمانهن من ذلك الحق.
ليس هناك أى شك من أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أمريكا. وأعتقد أن أمريكا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الإجتماعية: ألا وهى تطلعات العيش فى ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التى نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا.
هذه هى قواسمنا المشتركة وهى تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء .يمثل إدراك أوجه الإنسانية المشتركة فيما بيننا بطبيعة الحال مجرد البداية لمهمتنا. إن الكلمات وحدها لا تستطيع سد إحتياجات شعوبنا ولن نسد هذه الإحتياجات إلا إذا عملنا بشجاعة على مدى السنين القادمة, وإذا أدركنا حقيقة أن التحديات التى نواجهها هى تحديات مشتركة, وإذا أخفقنا فى التصدى لها, سوف يلحق ذلك الأذى بنا جميعا.
لقد تعلمنا من تجاربنا الأخيرة ما يحدث من إلحاق الضرر بالرفاهية فى كل مكان إذا ضعف النظام المالى فى بلد واحد.
وإذا اصيب شخص واحد بالإنفلونزا؛ فيعرض ذلك الجميع للخطر. وإذا سعى بلد واحد وراء إمتلاك السلاح النووى؛ فيزداد خطر وقوع هجوم نووى بالنسبة لكل الدول. وعندما يمارس المتطرفون العنف فى منطقة جبلية واحدة؛ يعرض ذلك الناس من وراء البحار للخطر، وعندما يتم ذبح الأبرياء فى البوسنة ودارفور؛ يسبب ذلك وصمة فى ضميرنا المشترك. هذا هو معنى التشارك فى هذا العالم بالقرن الحادى والعشرين، وهذه هى المسئولية التى يتحملها كل منا تجاه الآخر كأبناء البشرية .
إنها مسئولية تصعب مباشرتها, وكان تاريخ البشرية فى كثير من الأحيان بمثابة سجل من الشعوب والقبائل وحتى من الأديان التى قمعت بعضها البعض سعيا وراء تحقيق مصلحتها الخاصة, ولكن فى عصرنا الحديث تؤدى مثل هذه التوجهات الى إلحاق الهزيمة بالنفس, ونظرا الى الاعتماد الدولى المتبادل فأى نظام عالمى يعلى شعبا أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل لا محالة. وبغض النظر عن أفكارنا حول أحداث الماضى؛ فلا يجب أن نصبح أبدا سجناء لأحداث قد مضت.
إنما يجب معالجة مشاكلنا بواسطة الشراكة، كما يجب أن نحقق التقدم بصفة مشتركة.لا يعنى ذلك بالنسبة لنا أن نفضل التغاضى عن مصادر التوتر, وفى الحقيقة فإن العكس هو الأرجح: يجب علينا مجابهة هذه التوترات بصفة مفتوحة. واسمحوا لى إنطلاقا من هذه الروح أن أتطرق بمنتهى الصراحة وأكبر قدر ممكن من البساطة الى بعض الأمور المحددة التى أعتقد أنه يتعين علينا مواجهتها فى نهاية المطاف بجهد مشترك.
إن المسألة الأولى التى يجب أن نجابهها هى التطرف العنيف بكافة أشكاله.وقد صرحت بمدينة أنقرة بكل وضوح أن أمريكا ليست ولن تكون أبدا فى حالة حرب مع الإسلام وعلى أية حال لن نتوانى فى التصدى لمتطرفى العنف الذين يشكلون تهديدا جسيما لأمننا؛ والسبب هو أننا نرفض مايرفضه أهل كافة المعتقدات: قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.
كما أنه واجبى الأول كرئيس أن أتولى حماية الشعب الأمريكى.
يبين الوضع فى أفغانستان أهداف أمريكا وحاجتنا إلى العمل المشترك. وقبل أكثر من سبع سنوات، قامت الولايات المتحدة بملاحقة تنظيم القاعدة ونظام طالبان بدعم دولى واسع النطاق. لم نذهب إلى هناك باختيارنا، وإنما بسبب الضرورة. إننى على وعى بوجود البعض الذين لايزالون يشكون فى أحداث 11 سبتمبر أو حتى يقومون بتبرير تلك الأحداث.
ولكن دعونا أن نكون صريحين: قامتنظيم القاعدةبقتل مايضاهى 3000 شخص فى ذلك اليوم. وكان الضحايا من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من أبناء أمريكا والعديد من الشعوب الأخرى الذين لم يلحقوا الأذى بأحد. ورغم ذلك، إختارت القاعدة بلا ضمير قتل هؤلاء الأبرياء وتباهت بالهجوم، وأكدت إلى الآن عزمها على إرتكاب القتل مجددا وبأعداد ضخمة.
إن هناك للقاعدة من ينتسبون لها فى عدة بلدان وممن يسعون إلى توسعة نطاق إنشطتهم. وما أقوله ليس بآراء قابلة للنقاش، وإنما هى حقائق يجب معالجتها.ولابد أن تكونوا على علم بأننا لانريد من جيشنا أن يبقى فى أفغانستان, ولا نرى أو بالأحرى لا نسعى لإقامة قواعد عسكرية هناك. خسائرنا بين الشباب والشابات هناك تسبب لأمريكا بالغ الأذى. كما يسبب إستمرار هذا النزاع تكاليف باهظة ومصاعب سياسية جمة.
ونريد بكل سرور أن نرحب بكافة جنودنا وهم عائدون إلى الوطن, إذا إستطعنا أن نكون واثقين من عدم وجود متطرفى العنف فى إفغانستان، والآن فى باكستان والذين يحرصون على قتل أكبر عدد من الأمريكيين. ولكن لسنا واثقين من ذلك بعد.ولذلك نتعاون فى إطار الشراكة مع تحالف دولى يضم 46 بلدا. ورغم التكاليف الباهظة، لن يتوانى التزام أمريكا بشىء. وفى الحقيقة لاينبغى على أحد منا أن يتسامح مع أولئك المتطرفين. لقد مارسوا القتل فى كثير من البلدان . لقد قتلوا أبناء مختلف العقائد, ولكن معظم ضحاياهم من المسلمين.
إن أعمالهم غير متطابقة على الإطلاق مع كل من حقوق البشر وتقدم الأمم والإسلام. وينص القرآن الكريم على أن من قتل نفسا بغير نفس (أو فساد فى الارض) فكأنما قتل الناس جميعا, كما يأتى فى القرآن الكريم أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
ولا شك أن العقيدة الثابتة- التى يتمتع بها أكثر من مليار شخص- تفوق عظمتها بشكل كبير الكراهية الضيقة الكامنة فى صدور البعض.
إن الإسلام ليس جزءا من المشكلة المتلخصة فى مكافحة التطرف العنيف, وإنما يلعب الإسلام دورا هاما فى دعم السلام.علاوة على ذلك، نعلم أن القوة العسكرية وحدها لن تكفى لحل المشاكل فى كل من أفغانستان وباكستان. ولذلك وضعنا خطة لاستثمار 5ر1 مليار دولار سنوريا على مدى السنوات الخمس القادمة لإقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية، وكذلك توفير مئات الملايين لمساعدة النازحين.
وهذا أيضا السبب وراء قيامنا بتخصيص مايربو على 8ر2 مليار دولار لمساعدة الأفغان على تنمية إقتصادهم وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب.
إسمحوا لى أيضا أن أتطرق إلى موضوع العراق . لقد إختلف الوضع هناك عن الوضع فى أفغانتسان، حيث وقع القرار بحرب العراق بصفة إختيارية؛ مما آثار خلافات شديدة سواء فى بلدى أو فى الخارج . ورغم إعتقادى بأن الشعب العراقى فى نهاية المطاف هو الطرف الكاسب فى معادلة التخلص من الطاغية صدام حسين، إلا أننى أعتقد أيضا أن أحداث العراق قد ذكرت أمريكا بضرورة إستخدام الدبلوماسية وبناء الإجماع الدولى لتسوية مشاكلنا كلما كان ذلك ممكنا.
وفى الحقيقة، إننا نستذكر كلمات توماس جيفرسون الذى قال "إننى أتمنى أن تنمو حكمتنا بقدر ما تنمو قوتنا، وأن تعلمنا هذه الحكمة درسا مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل إستخدامها".تتحمل أمريكا اليوم مسئولية مزدوجة تتلخص فى مساعدة العراق على بناء مستقبل أفضل, وترك العراق للعراقيين. إننى أوضحت للشعب العراقى- أننا لا نسعى لإقامة أية قواعد فى العراق أو لمطالبة العراق بآي من أراضيه أو موارده.
يتمتع العراق بسيادته الخاصة به بمفرده . لذا أصدرت الأوامر بسحب الوحدات القتالية مع حلول شهر أغسطس القادم؛ ولذا سوف نحترم الإتفاق المبرم مع الحكومة العراقية المنتخبة بأسلوب ديمقراطى والذى يقتضى سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول شهر يوليو وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول عام 2012. سوف نساعد العراق على تدريب قواته الأمنية وتنمية اقتصاده. ولكننا سنقدم الدعم للعراق الآمن والموحد بصفتنا شريكا له وليس بصفة الراعى .وأخيرا مثلما لا يمكن لأمريكا أن تتسامح مع عنف المتطرفين, فلا يجب علينا أن نقوم بتغيير إهمال مبادئنا أبدا. قد ألحقت أحداث 11 سبتمبر إصابة ضخمة ببلدنا, حيث يمكن تفهم مدى الخوف والغضب الذى خلفته تلك الأحداث، ولكن فى بعض الحالات أدى ذلك إلى القيام بأعمال تخالف تقاليدنا ومبادئنا.إننا نتخذ إجراءات محددة لتغيير الإتجاه. وقد قمت بمنع إستخدام أساليب التعذيب من قبل الولايات المتحدة منعا باتا، كما أصدرت الأوامر بإغلاق السجن فى خليج جوانتانامو مع حلول مطلع العام القادم .نحن فى أمريكا سوف ندافع عن أنفسنا محترمين فى ذلك سيادة الدول وحكم القانون .
وسوف نقوم بذلك فى إطار الشراكة بيننا وبين المجتمعات الإسلامية التى يحدث بها الخطر أيضا, لأننا سنحقق مستوى أعلى من الأمن فى وقت أقرب إذا نجحنا بصفة سريعة فى عزل المتطرفين مع عدم التسامح لهم داخل المجتمعات الإسلامية.
أما المصدر الرئيسى الثانى للتوتر الذى أود مناقشته هو الوضع ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربى.إن متانة الأواصر بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا, وهى تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية وكذلك الإعتراف بأن رغبة اليهود فى وجود وطن خاص لهم هى رغبة متأصلة فى تاريخ مأساوى لا يمكن لأحد نفيه.لقد تعرض اليهود حول العالم للاضطهاد على مر القرون, وتفاقمت أحوال معاداة السامية فى وقوع المحرقة التى لم يسبق لها عبر التاريخ أى مثيل. وإننى سوف أقوم غدا بزيارة معسكر "بوخنفالد" الذى كان جزءا من شبكة معسكرات الموت التى استخدمها الرايخ الثالث لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود رميا بالأسلحة النارية وتسميما بالغازات. لقد تم قتل 6 ملايين من اليهود, يعنى أكثر من إجمالى عدد اليهود بين سكان إسرائيل اليوم. إن نفى هذه الحقيقة هو أمر لا أساس له وينم عن الجهل وبالغ الكراهية.كما أن تهديد إسرائيل بتدميرها أو تكرار الصور النمطية الحقيرة عن اليهود, هما أمران ظالمان للغاية ولا يخدمان إلا غرض استحضار تلك الأحداث الأكثر إيذاء إلى أذهان الإسرائيليين وكذلك منع حلول السلام الذى يستحقه سكان هذه المنطقة.أما من ناحية أخرى، فلا يمكن نفى أن الشعب الفلسطينى- مسلمين ومسيحيين- قد عانوا أيضا فى سعيهم إلى إقامة وطن خاص لهم، وقد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من ستين سنة، حيث ينتظر العديد منهم فى الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة لكى يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن هذه الحياة التى لم يستطيعوا عيشها حتى الآن. يتحمل الفلسطينيون الإهانات اليومية صغيرة كانت أم كبيرة، والتى هى ناتجة عن الإحتلال.
وليس هناك أى شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق، ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهى تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم.لقد إستمرت حالة الجمود إذن لعشرات السنوات, شعبان لكل منهما طموحاته المشروعة, ولكل منهما تاريخ مؤلم يجعل من التراضى أمرا صعب المنال, إن توجيه اللوم أمر سهل, إذ يشير الفلسطينيون إلى تأسيس دولة إسرائيل وما أدت إليه من تشريد للفلسطينيين, ويشير الإسرائيليون إلى العداء المستمر والإعتداءات التى يتعرضون لها داخل حدود إسرائيل وخارج هذه الحدود على مدى التاريخ.
ولكننا إذا نظرنا إلى هذا الصراع من هذا الجانب أو من الجانب الآخر, فإننا لن نتمكن من رؤيةالحقيقة. لأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا فى سلام وأمن.إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائل ومصلحة فلسطين ومصلحة أمريكا ومصلحة العالم, ولذلك سوف أسعى شخصيا للوصول إلى هذه النتيجة، متحليا بالقدر اللازم الذى تقضيه هذه المهمة من الصبر والتفانى.. إن الإلتزامات التى وافق عليها الطرفان بموجب خريطة الطريق هى إلتزامات واضحة . لقد آن الأوان من أجل إحلال السلام، لكى يتحمل الجانبان مسئولياتهما ولكى نتحمل جميعنا مسئولياتنا كذلك.يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف.. إن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدى إلى النجاح. لقد عانى السود فى أمريكا طوال قرون من الزمن من سوط العبودية ومن مهانة التفرقة والفصل بين البيض والسود، لكن العنف لم يكن السبيل الذى مكنهم من الحصول على حقوقهم الكاملة والمتساوية، بل كان السبيل إلى ذلك إصرارهم وعزمهم السلمى على الالتزام بالمثل التى كانت بمثابة الركيزة التى اعتمد عليها مؤسسو أمريكا، وهذا هو ذات التاريخ الذى شاهدته شعوب كثيرة تشمل شعب جنوب أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا الشرقية وأندونيسيا.وينطوى هذا التاريخ على حقيقة بسيطة، ألا وهى أن طريق العنف طريق مسدود, وأن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين فى مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة، ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوى عن طريق تنفيذ مثل هذه الأعمال , إذ يؤدى هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة.
والآن، على الفلسطينيين تركيز اهتمامهم على الأشياء التى يستطيعون إنجازها, ويجب على السلطة الفلسطينية تنمية قدرتها على ممارسة الحكم من خلال مؤسسات تقدم خدمات للشعب وتلبى احتياجاته، إن تنظيم حماس يحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين، ولكن على تنظيم حماس أن يدرك المسؤوليات التى عليه أن يتحملها، ويتعين على تنظيم حماس أن يضع حدا للعنف وأن يعترف بالاتفاقات السابقة وأن يعترف بحق إسرائيل فى البقاء حتى يؤدى دوره فى تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطينى.وفى نفس الوقت، يجب على الإسرائيليين الإقرار بأن حق فلسطين فى البقاء هو حق لا يمكن إنكاره, مثلما لا يمكن إنكار حق إسرائيل فى البقاء.إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية. إن عمليات البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض من الجهود المبذولة لتحقيق السلام. لقد آن الأوان لكى تتوقف هذه المستوطنات.كما يجب على إسرائيل أن تفى بما التزمت به بشأن تأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم. إن الأزمة الإنسانية المستمرة فى غزة والتى تصيب الأسر الفلسطينية بالهلاك لا توفر الأمن لإسرائيل، كما أن استمرار انعدام الفرص فى الضفة الغربية لا يوفر لإسرائيل الأمن.إن التقدم فى الحياة اليومية التى يعيشها الشعب الفلسطينى يجب أن يكون جزءا هاما من الطريق المؤدى للسلام، ويجب على إسرائيل أن تتخذ خطوات ملموسة لتحقيق مثل هذا التقدم.
وأخيرا، يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية هامة، وأن مسئولياتها لا تنتهى بهذه المبادرة، كما ينبغى عليها أن لا تستخدم الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخرى, بل يجب أن تكون هذه المبادرة سببا لحثهم على العمل لمساعدة الشعب الفلسطينى على تطوير المؤسسات التى سوف تعمل على مساندة دولتهم , ومساعدة الشعب الفلسطينى على الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامى الذى يركز الاهتمام على الماضى.سوف تنسق أمريكا سياساتها مع سياسات أولئك الذين يسعون من أجل السلم, وسوف تكون تصريحاتنا التى تصدر علنا هى ذات التصريحات التى نعبر عنها فى اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب.إننا لا نستطيع أن نفرض السلام، ويدرك كثيرون من المسلمين فى قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفى , وبالمثل، يدرك الكثيرون من الإسرائيليين أن دولة فلسطينية أمر ضرورى .
لقد آن الأوان للقيام بعمل يعتمد على الحقيقة التى يدركها الجميع.لقد سالت دموع الكثيرين وهدرت دماء الكثيرين، وعلينا جميعا تقع مسئولية العمل من أجل ذلك اليوم الذى تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهم يتقدمون فى حياتهم دون خوف, وعندما تصبح الأرض المقدسة التى نشأت فيها الأديان الثلاثة العظيمة مكانا للسلام الذى أراده الله لها، وعندما تصبح مدينة القدس وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين.. المكان الذى يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يتعايشوا فى سلام، تماما كما ورد فى قصة الإسراء، عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم الصلاة معا.
إن المصدر الثالث للتوتر يتعلق باهتمامنا المشترك بحقوق الدول ومسئولياتها بشأن الأسلحة النووية .لقد كان هذا الموضوع مصدرا للتوتر الذى طرأ مؤخرا على العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية التى ظلت لسنوات كثيرة تعبر عن هويتها من خلال موقفها المناهض لبلدى, والتاريخ بين بلدينا تايخ عاصف بالفعل, إذ لعبت الولايات المتحدة فى إبان فترة الحرب الباردة دورا فى الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة بأسلوب ديمقراطى، ولعبت إيران منذ قيام الثورة الإسلامية دورا فى أعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد القوات والمدنيين الأمريكيين. هذا التاريخ تاريخ معروف.لقد أعلنت بوضوح لقادة إيران وشعب إيران أن بلدى بدلا من أن يتقيد بالماضى يقف مستعدا للمضى قدما، والسؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التى تناهضها إيران ولكنه يرتبط بالمستقبل الذى تريد إيران أن تبنيه.إن التغلب على فقدان الثقة الذى استمر لعشرات السنوات سوف يكون صعبا ولكننا سوف نمصى قدما مسلحين بالشجاعة واستقامة النوايا والعزم، سيكون هناك الكثير من القضايا التى سيناقشها البلدان، ونحن مستعدين للمضى قدما دون شروط مسبقة على أساس الإحترام المتبادل. إلا أن الأمر الواضح لجميع المعنيين بموضوع الأسلحة النووية هو أننا قد وصلنا الى نقطة تتطلب الحسم وهى ببساطة لا ترتبط بمصالح أمريكا، ولكنها ترتبط بمنع سباق للتسلح النووى قد يدفع بالمنطقة الى طريق محفوف بالمخاطر .إننى مدرك أن البعض يعترض على حيازة بعض الدول لأسلحة لا توجد مثلها لدى دول أخرى ولا ينبغى على أية دولة أن تختار الدول التى تملك أسلحة نووية، وهذا هو سبب قيامى بالتأكيد مجددا وبشدة على إلتزام أمريكا بالسعى من أجل عدم إمتلاك أى من الدول للأسلحة النووية وينبغى على أية دولة، بما فى ذلك إيران أن يكون لها حق الوصول الى الطاقة النووية السلمية إذا إمتثلت لمسئولياتها بموجب معاهدة منع إنتشار الأسلحة النووية، وهذا الإلتزام هو إلتزام جوهرى فى المعاهدة ويجب الحفاظ عليه من أجل جميع الملتزمين به، وأملى أن يكون هذا الهدف هدفا مشتركا لجميع بلدان المنطقة.إن الموضوع الرابع الذى أريد أن أتطرق إليه هو الديمقراطية.. أعلم أن جدلا حول تعزيز الديمقراطية وحقوق جميع البشر كان يدور خلال السنوات الأخيرة وأن جزءا كبيرا من هذا الجدل كان متصلا بالحرب فى العراق. إسمحوا لى أن أتحدث بوضوح وأقول ما يلى: لا يمكن لأية دولة ولا ينبغى على أية دولة أن تفرض نظاما للحكم على أية دولة أخرى.ومع ذلك، لن يقلل ذلك من إلتزامى تجاه الحكومات التى تعبر عن إرادة الشعب, حيث يتم التعبير عن هذا المبدأ فى كل دولة وفقا لتقاليد شعبها. إن أمريكا لا تفترض أنها تعلم ما هو أفضل شىء بالنسبة للجميع , كما أننا لا نفترض أن تكون نتائج الانتخابات السلمية هى النتائج التى نختارها ومع ذلك يلازمنى إعتقاد راسخ أن جميع البشر يتطلعون لإمتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم فى أسلوب الحكم المتبع فى بلدهم، ويتطلعون للشعور بالثقة فى حكم القانون وفى الإلتزام بالعدالة والمساواة فى تطبيقه, ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وإمتناعها عن نهب أموال الشعب ويتطلعون لحرية إختيار طريقهم فى الحياة. إن هذه الإفكار ليست أفكارا أمريكية فحسب, بل هى حقوق إنسانية وهى لذلك الحقوق التى سوف ندعمها فى كل مكان.لا يوجد طريق سهل ومستقيم لتلبية هذا الوعد، ولكن الأمر الواضح بالتأكيد هو أن الحكومات التى تحمى هذه الحقوق هى فى نهاية المطاف الحكومات التى تتمتع بقدر أكبر من الإستقرار والنجاح والأمن . إن قمع الأفكار لا ينجح أبدا فى القضاء عليها.
إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمى يراعى القانون حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة.. شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب فى ممارستها للحكم.هذا النقطة الأخيرة لها أهميتها لأن البعض لا ينادون بالديمقراطية إلا عندما يكونون خارج مراكز السلطة, ولا يرحمون الغير فى ممارساتهم القمعية لحقوق الآخرين عند وصولهم الى السلطة.إن الحكومة التى تتكون من أفراد الشعب وتدار بواسطة الشعب هى المعيار الوحيد لجميع من يتطلع لشغل مراكز السلطة وذلك بغض النظر عن المكان الذى تتولى فيه مثل هذه الحكومة ممارسة مهامها : إذ يجب على الحكام أن يمارسوا سلطاتهم من خلال التوافق فى الرأى وليس عن طريق الإكراه, ويجب على الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات وأن يشاركوا بروح من التسامح والتراضى ويجب عليهم أن يعطوا مصالح الشعب والأشغال المشروعة للعملية السياسية الأولوية على مصالح الحزب الذى ينتمون اليه.
إن الإنتخابات التى تتم دون هذه العناصر لا تؤدى الى ديمقراطية حقيقية .أما الموضوع الخامس الذى يجب علينا الوقوف أمامه معا فهو موضوع الحرية الدينية.إن التسامح تقليد عريق يفخر به الإسلام. نشاهد هذا التسامح فى تاريخ الأندلس وقرطبة خلال فترة محاكم التفتيش.
لقد شاهدت بنفسى هذا التسامح عندما كنت طفلا فى أندونيسيا, إذ كان المسيحيون فى ذلك البلد الذى يشكل فيه المسلمون الغالبية يمارسون طقوسهم الدينية بحرية. إن روح التسامح التى شاهدتها هناك هى ما نحتاجهاليوم إذ يجب أن تتمتع الشعوب فى جميع البلدان بحرية إختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم على ما تمليه عليه عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التى يختارونها لانفسهم, لان روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين، ومع ذلك تواجه روح التسامح هذه تحديات مختلفة.
ثمة توجه مزعج فى أوساط بعض المسلمين ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقا لموقفه الرافض لعقيدة الآخر.
إن التعددية الدينية هى ثروة يجب الحفاظ عليها، ويجب أن يشمل ذلك الموارنة فى لبنان أو الاقباط فى مصر وإذا كان إخلاصنا صادقا، يجب إصلاح خطوط الإنفصال فى أوساط المسلمين كذلك لأن الإنقسام بين السنيين والشيعيين قد أدى إلى عنف مأساوى، ولا سيما فى العراق.إن الحرية الدينية هى الحرية الاساسية التى تمكن الشعوب من التعايش, ويجب علينا دائما أن نفحص الأساليب التى نتبعها لحماية هذه الحرية , فالقواعد التى تنظم التبرعات الخيرية فى الولايات المتحدة على سبيل المثال أدت إلى تصعيب تأدية فريضة الزكاة بالنسبة للمسلمين، وهذا هو سبب التزامى بالعمل مع الأمريكيين المسلمين لضمان تمكينهم من تأدية فريضة الزكاة.
وبالمثل، من الأهمية بمكان أن تمتنع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم على النحو الذى يعتبرونه مناسبا فعلى سبيل المثال عن طريق فرض الثياب التى ينبغى على المرأةالمسلمة أن ترتديها. إننا ببساطة لا نستطيع التستر على معاداة أى دين من خلال التظاهر بالليبرالية.ينبغى أن يكون الإيمان فى الواقع عاملا للتقارب فيما بيننا، ولذلك نعمل الأن على تأسيس مشاريع جديدة تطوعية فى أمريكا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود .إننا لذلك نرحب بالجهود المماثلة لمبادرة عاهل المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبدالله المتمثلة فى حوار الأديان، كما نرحب بالموقف الريادى الذى إتخذته تركيا فى تحالف الحضارات . إننا نستطيع أن تقوم بجهود حول العالم لتحويل حوار الأديان إلى خدمات تقدمها الأديان يكون من شأنها بناء الجسور التى تربط بين الشعوب وتؤدى بهم إلى تأدية أعمال تدفع إلى الأمام عجلة التقدم لجهودنا الإنسانية المشتركة سواء كان ذلك فى مجال مكافحة الملاريا فى أفريقيا أو توفير الإغاثة فى أعقاب كارثة طبيعية.
إن الموضوع السادس الذى أريد التطرق اليه هو موضوع حقوق المرأة..أعلم- وجمهور الحاضرين يوضح لى ذلك- أعلم أن الجدل حول هذا الموضوع يدور بنشاط وأرفض الرأى الذى يعبر عنه البعض فى الغرب ويعتبر المرأة التى تختار غطاء لشعرها أقل شأنا من غيرها , ولكننى أعتقد أن المرأة التى تحرم من التعليم تحرم كذلك من المساواة. إن البلدان التى تحصل فيها المرأة على تعليم جيد هى غالبا تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية، وهذا ليس من باب الصدفة .إسمحوا لى أن اتحدث بوضوح: إن قضايا مساواة المرأة ليست ببساطة قضايا للاسلام وحده ولقد شاهدنا بلدان غالبية سكانها من المسلمين , مثل تركيا وباكستان وبانجلاديش وأندونيسيا , تنتخب المرأة لتولى قيادة البلد. وفى نفس الوقت يستمر الكفاح من أجل تحقيق المساواة للمرأة فى بعض جوانب الحياة الأمريكية وفى بلدان العالم.أنا مقتنع تماما أن باستطاعة بناتنا تقديم مساهمات إلى مجتمعاتنا تتساوى مع ما يقدمه لها أبناؤنا , وسوف يتم تحقيق التقدم فى رفاهيتنا المشتركة من خلال إتاحة الفرصة لجميع الرجال والنساء لتحقيق كل ما يستطيعون تحقيقه من إنجازات، أنا لا أعتقد أن على المرأة أن تسلك ذات الطريق الذى يختاره الرجل لكى تحقق المساواة معه، كما أحترم كل إمرأة تختار ممارسة دورا تقليديا فى حياتها, ولكن هذا الخيار ينبغى أن يكون للمرأة نفسها. ولذلك سوف تعمل الولايات المتحدة مع أى بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الأمية للفتيات ومساعدتهن على السعى فى سبيل العمل عن طريق توفير التمويل الأصغر الذى يساعد الناس على تحقيق أحلامهم.وأخيرا، أريد أن أتحدث عن التنمية الإقتصادية وتنمية الفرص .أعلم أن الكثيرين يشاهدون تناقشات فى مظاهر العولمة, لأن شبكة الإنترنت وقنوات التلفزيون لديها قدرات لنقل المعرفة والمعلومات، ولديها كذلك قدرات لبث مشاهد جنسية منفرة وفظة وعنف غير عقلانى إلى داخل بيوتهم، وباستطاعة التجارة أن تأتى بثروات وفرص جديدة, ولكنها فى ذات الوقت تحدث فى المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة، وتأتى مشاعر الخوف فى جميع البلدان, حتى فى بلدى, مع هذه التغييرات, وهذا الخوف هو خوف من أن تؤدى الحداثة إلى فقدان السيطرة على خياراتنا الاقتصادية وسياساتنا, والأهم من ذلك, على هوياتنا، وهى الأشياء التى نعتز بها فى مجتمعاتنا وفى أسرنا وفى تقاليدنا وفى عقيدتنا.
ولكنى أعلم أيضا أن التقدم البشرى لا يمكن إنكاره, فالتناقض بين التطور والتقاليد ليس أمرا ضروريا, إذ تمكنت بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية من إحداث تنمية ضخمة لأنظمتها الإقتصادية, وتمكنت فى ذات الوقت من الحفاظ على ثقافتها المتميزة.
وينطبق ذلك على التقدم الباهر الذى شاهده العالم الإسلامى من كوالالمبور إلى دبى , لقد أثبتت المجتمعات الإسلامية منذ قديم الزمان وفى عصرنا الحالى أنها تستطيع أن تتبوأ مركز الطليعة فى الإبتكار والتعليم.وهذا أمر هام، إذ لا يمكن أن تعتمد أية إستراتيجية للتنمية على الثروات المستخرجة من تحت الأرض , ولا يمكن إدامة التنمية مع وجود البطالة فى أوساط الشباب , لقد استمتع عدد كبير من دول الخليج بالثراء المتولد عن النفط، وتبدأ بعض هذه الدول الآن بالتركيز على قدر أعرض من التنمية, ولكن علينا جميعا أن ندرك أن التعليم والإبتكار سيكونان مفتاحا للثروة فى القرن الواحد والعشرين.. ولازال الإستمثار فى هذين المجالين ضئيلا فى عدد كبير من المجتمعات الإسلامية. إننى أؤكد على مثل هذه الإستثمارات فى بلدى, لقد كانت أمريكا فى الماضى تركز إهتمامها على النفط والغاز فى هذا الجزء من العالم, ولكننا نسعى الآن للتعامل مع أمور تشمل أكثر من ذلك.فيما يتعلق بالتعليم، سوف نتوسع فى برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية , مثل تلك التى أتت بوالدى إلى أمريكا. وسوف نقوم فى نفس الوقت بتشجيع عدد أكبر من الأمريكيين على الدراسة فى المجتمعات الإسلامية.
وسوف نوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب فى أمريكا، وسوف نستثمر فى سبل التعليم الإفتراضى للمعلمين والتلاميذ فى جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكترونى, وسوف نستحدث شبكة إلكترونية جديدة لتمكين الشباب فى ولاية كنساس من الإتصال المباشر مع نظرائهم فى القاهرة .وفيما يتعلق بالتنمية الإقتصادية، سوف نستحدث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم فى البلدان التى يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان، وسوف أستضيف مؤتمر قمة لأصحاب المشاريع المبتكرة هذا العام لتحديد كيفية تعميق العلاقات بين الشخصيات القيادية فى مجال العمل التجارى والمهنى والمؤسسات وأصحاب المشاريع الإبتكارية الإجتماعية فى الولايات المتحدة وفى المجتمعات الإسلامية فى جميع أنحاء العالم.
وفيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا، سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التنمية والتطور التكنولوجى فى البلدان التى يشكل فيها المسلمون غالبية السكان, وللمساهمة فى نقل الأفكار إلى السوق حتى تستطيع هذه البلدان إستحداث المزيد من فرص العمل، وسوف تفتتح مراكز للتفوق العلمى فى افريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيان.
وسوف نعين موفدين علميين للتعاون فى برامج من شأنها تطوير مصادر جديدة للطاقة، وإستحداث فرص خضراء للعمل لا تضر بالبيئة وسبل لترقيم السجلات، وتنظيف المياه، وزراعة محاصيل جديدة.واليوم أعلن عن جهود عالمية جديدة مع منظمة المؤتمر الإسلامى للقضاء على مرض شلل الأطفال وسوف نسعى من أجل توسيع الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال والأمهات.يجب إنجاز جميع هذه الأمور عن طريق الشراكة إن الأمريكيين مستعدون للعمل مع المواطنين والحكومات ومع المنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية فى المجمعات الإسلامية حول العالم من أجل مساعدة شعوبنا فى مساعيهم الرامية لتحقيق حياة أفضل.إن معالجة الأمور التى وصفتها لن تكون سهلة، ولكننا نتحمل معا مسئولية ضم صفوفنا والعمل معا نيابة عن العالم الذى نسعى من أجله، وهو عالم لا يهدد فيه المتطرفون شعوبنا.. عالم تعود فيه القوات الأمريكية إلى ديارها، عالم ينعم فيه الفلسطينيون والاسرائيليون بالأمان فى دولة لكل منهم وعالم تستخدم فيه الطاقة النووية لأغراض سلمية، وعالم تعمل فيه الحكومات على خدمة المواطنين وعالم تحظى فيه حقوق جميع البشر بالإحترام هذه هى مصالحنا المشتركة، وهذا هو العالم الذى نسعى من أجله, والسبيل الوحيد لتحقيق هذا العالم هو العمل معا.أعلم أن هناك الكثيرين من المسلمين وغير المسلمين الذين تراودهم الشكوك حول قدرتنا على استهلال هذه البداية، وهناك البعض الذين يسعون إلى تأجيج نيران الفرقة والإنقسام والوقوف فى وجه تحقيق التقدم، ويقترح البعض أن الجهود المبذولة فى هذا الصدد غير مجدية، وأن الاختلاف مصيرنا وأن الحضارات سوف تصطدم حتما، وهناك الكثيرون كذلك الذين يتشككون ببساطة فى إمكانية تحقيق التغيير الحقيقى، فالمخاوف كثيرة وإنعدام الثقة كبير، وقد أدى مرور الأعوام إلى تضخيمها ولكننا لن نتقدم أبدا إلى الأمام إذا أخترنا التقيد بالماضى.
وأريد أن أخاطب الشباب بالتحديد لكى أقول للشباب من جميع الأديان ومن جميع البلدان أنكم أنتم تملكون أكثر من أى شخص آخر القدرة على تحديد معالم هذا العالم وفقا لتخيلاتكم المجددة له .
إن الفترة الزمنية التى نعيش فيها جميعا مع بعضنا البعض فى هذا العالم هى فترة قصيرة، والسؤال المطروح علينا هو هل سنركز إهتمامنا خلال هذه الفترة الزمنية على الأمور التى تفرق بيننا أم سنلتزم بجهود مستديمة للوصول إلى موقف مشترك، وتركيز إهتمامنا على المستقبل الذى نسعى إليه من أجل أبنائنا، واحترام كرامة جميع البشر.إن خوض الحروب أسهل من إنهائها، كما أن توجيه اللوم للآخرين أسهل من أن ننظر إلى ما يدور فى أعماقنا، كما أن ملاحظة الجوانب التى نختلف فيها مع الآخرين أسهل من العثور على الجوانب المشتركة بيننا، ومع ذلك، ينبغى علينا أن نختار الطريق السليم وألا نكتفى بإختيار الطريق السهل. ولكل دين من الأديان قاعدة جوهرية تدعونا لأن نعامل الناس مثلما نريد منهم أن يعاملونا، وتعلو هذه الحقيقة على البلدان والشعوب، وهى عقيدة ليست بجديدة، وهى ليست عقيدة السود أو البيض أو السمر، وليست هذه العقيدة مسيحية أو مسلمة أو يهودية، هى عقيدة الإيمان الذى بدأت نبضاتها فى مهد الحضارة والتى لازالت تنبض اليوم فى قلوب آلاف الملايين من البشر، هى الإيمان بالأخرين: الإيمان الذى أتى بى إلى هنا اليوم.إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذى نسعى من أجله , ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة.. آخذين بعين الإعتبار ما كتب فى القرآن الكريم "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".ونقرأ فى التلمود ما يلى "إن الغرض من النص الكامل للتوراة هو تعزيز السلام " .ويقول لنا الكتاب المقدس "هنيئا لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" .باستطاعة شعوب العالم أن تعيش معا فى سلام. إننا نعلم أن هذه رؤية الرب، وعلينا الآن أن نعمل على الأرض لتحقيق هذه الرؤية.شكرا لكم والسلام عليكم. شكرا جزيلا شكرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق