أثار تصريح حزب النور مؤخرا تأييده ودعمه للمرشح الرئاسي، المشير عبد الفتاح السيسي بسبب تمتعه بالوفاء للشريعة والهوية الإسلامية، وعدم انحيازه لأية أيديولوجية معادية للإسلام، وعدم تصنيفه على المعسكر الليبرالي أو العلماني أو اليساري مجموعة من الأسئلة حول مفهوم الشريعة الإسلامية، التي يرى حزب النور أن السيسي حريص على تطبيقها، أو على الأقل ليس عنده نزعة عدائية ضدها؟ وما تجليات ترحيبه بها منذ تملك زمام المشهد السياسي في الثلاثين من يونيو المنصرم؟
في البداية، لم يراوغ حزب النور في اعتبار الفترة الماضية منذ ذلك التاريخ كافية لاستخلاص حكم بشأن السيسي تجاه موضوع الشريعة الإسلامية، فإذا كان كثير من السياسيين يراوغون في صلاحيات السيسي ووضعه ضمن النظام الحالي متذرعين بوجود رئيس معين للبلاد، وحكومتين أعقبتا ذلك التاريخ، فإن حزب النور يذكر صراحة نفوذ السيسي ووضعه داخل النظام الحالي، وفي هذا السياق يقول المهندس شعبان عبد العليم القيادي البارز بحزب النور
"لو كان السيسي ضد الشريعة الإسلامية لما سمح لدستور 2014 أن يخرج بهذا الشكل رغم أنه لم يكن لحزب النور باللجنة سوى ممثل واحد فقط""
ولم يترك " السيسي" ذلك الأمر عرضة للتخمينات والاستنتاجات حتى لو كانت على أساس ما سمح به في دستور لجنة الخمسين، فقد صرح مؤخرا أنه لا يمكن أن يأخذ قرارا ضد " الله سبحانه وتعالى" أي ضد أمره ونهيه وشريعته الإسلامية إجمالا.
بدوره اعتبر الشيخ محمد عبد المقصود الداعية السلفي المعروف أن تأييد حزب النور " السيسي" لعدم معاداته الشريعة الإسلامية طرفة تستحق السخرية، وتساءل ساخرا
إذا كان " السيسي" يريد تطبيق الشريعة فإن أول ما توجبه الشريعة عليه أن يقدم نفسه للمحاكمة، بتهمة المشاركة أو المباشرة في قتل المئات، تلك الشريعة التي تجعل على ابن آدم الأول كفلا من إثم كل جريمة قتل تقع على الأرض لأنه كان أول من سن هذه الجريمة على الأرض.
فهل ينوي السيسي تقديم نفسه للمحاكمة بهذه التهمة حتى يصدق عليه بحق أنه يطبق الشريعة!
المراد بتطبيق الشريعة:في كتابه "بينات الحل الإسلامي" يذكر الدكتور القرضاوي معالم هذا الحل الإسلامي، الذي يعنى به تطبيق الشريعة الإسلامية، يقول:
معنى "الحل الإسلامي" أن يَكون الإسلام هو المُوَجِّه والقائد للمجتمع في كل الميادين وكل المجالات مادية ومعنوية.
معنى "الحل الإسلامي" أن تَتَّجِهَ الحياة كلها وِجْهَة إسلامية، وأن تُصْبَغ بالصبغة الإسلامية.
معنى "الحل الإسلامي" أن تكون عقيدة المجتمع إسلامية، وشعاراته إسلامية، ومفاهيمه وأفكاره إسلامية، ومشاعره ونزعاته إسلامية، وأخلاقه وتربيته إسلامية، وتقاليده وآدابه إسلامية، وأخيرًا أن تكون قوانينه وتشريعاته إسلامية.
وبعبارة أخرى: الحل الإسلامي هو الذي يَبْرُز به "المجتمع المسلم" إلى حَيِّز الوجود بكل مقوماته ودعائمه وبكل خصائصه ومميزاته، دون إهدار لشيء منها "
ففي المجال الإيماني يذكر القرضاوي أنه يجب إحياء رسالة المسجد، حتى يَعود إلى سالف عهده، مركز هداية وإشعاع وإصلاح، جامعًا للعبادة، ومدرسة للثقافة، ومعهدًا للتربية، ونَدْوة للتعارف، وبرلمانًا للتشاور، فهل هذا يتناسب مع ما يقوم به وزير الأوقاف الحال الدكتور محمد مختار جمعة من تأميم المنبر والخطبة، وقصر المسجد على وقت الصلاة، وتقصير وقت الخطبة ليصل إلى خمس عشرة دقيقة، وإحالة من يزيد إلى التحقيق وإيقافه الفوري عن العمل!
وفي المجال التربوي يذكر القرضاوي معالم تطبيق الشريعة فيقول: أن يكون الإسلام مادة دراسية أساسية في جميع المراحل، من المرحلة الأُولَى إلى الجامعة، في جميع أنواع التعليم: العام والفني، المدني والعسكري. على أن يكون أساس هذه المادة: القرآن والسنة، وأن يُرجع في فَهْمِها إلى هَدْيِ السلف المتقدمين. لا إلى تعقيدات المتأخرين، وأن تُوجَّه العناية فيها إلى المبادئ والأصول قبل التفريعات والتفصيلات، وأن تُعطى كل مرحلة تَعْلِيمِيَّة من هذه الدراسة ما يُلائِمُها سَعَة وعمقًا.
فهل هذا يتناسب مع ما قام به نظام " السيسي" بعد الثلاثين من يونيو من تأميم المدارس الإسلامية، وإلغاء الحصة الافتتاحية التي كانت تستفتح بها بعض المدارس الإسلامية بما تيسر من آيات للقرآن تلاوة فقط، وما قام به النظام ذاته من منع " الفسحة" الثانوية، التي كانت تحرص بعض هذه المدارس على أن تتوافق مع مواعيد صلاة الظهر لينشأ الأولاد على ممارسة أداء الصلاة،
ألم يقل كمال مغيث" في مدارس الإخوان المسلمين، يضبطون مواعيد الفسحة مع مواعيد الصلاة ليؤدي التلاميذ صلاة الظهر!!
قال هذا في سياق توضيح الصورة الإرهابية للمدارس الإخوانية على قناة سي بي سي"
وأما الدستور، ففي الوقت الذي أكد فيه السيسي أن دستور لجنة الخمسين ليس ضد الدين، يقول الدكتور محمد عمارة عن الدستور ذاته:
لقد حذفوا النص على أن مصر جزء من الأمة الإسلامية مع الأمة العربية، وحذفوا النص على الشورى مع الديمقراطية، وحذفوا أخذ رأى هيئة كبار العلماء فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وحذفوا التفسير الذي وضعه الأزهر لمبادئ الشريعة الإسلامية، وضيقوا نطاق تلك المبادئ، وحصروها فيما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا.
وأضاف د. عمارة أنهم حذفوا كذلك المادة التى كانت تحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة، كما أنهم حذفوا المادة التى كانت تنص على تعريب العلوم والمعارف والتعليم.
وتابع عضو هيئة كبار العلماء: كما أنهم حذفوا المادة التى كانت تدعو إلى إنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد.
وقال: إنهم نصوا على تجريم إقامة الأحزاب على أساس ديني، بعد أن كان دستور 2012 يمنع إقامة الأحزاب التى تفرق بين المواطنين على أساس ديني".
ولم تخل الفترة الماضية منذ يوم الثلاثين من تصريحات لمسؤولين في هذا النظام، لا تخلو من إشارات، بعضها يصل إلى درجة التصريح بالتوجه العلماني للدولة.
فقد قال نبيل فهمي وزير الخارجية في الحكومة الحالية في حوار أجراه مع مجلة "دير شبيجل" الألمانية: إن الرئيس محمد مرسي أراد تطبيق نظاما إسلاميا في مصر وهو ما لم نكن لنسمح به ولذلك لجأنا للجيش للتخلص منه
وبدوره قال رئيس الحكومة الثانية بعد الثلاثين من يوليو إبراهيم محلب: الشعب المصري رفض أن يغير هويته، فهو شعب يضع الإيمان في قلبه، ومع ذلك فهو لا يرفض الاستماع إلى أم كلثوم، لكنه يرفض وضعه في قالب معين"
مذبحة رابعة:لم يختلف المؤيدون والمعارضون حول طريقة فض رابعة أنه كان بالقوة الغاشمة، التي أريقت فيها الدماء، تلك الدماء التي ذكر الشيخ ياسر برهامي، أنها كانت حوالي ألف قتيل، وقد برر رئيس الوزراء وقتذاك حازم الببلاوي أن الضرورة كانت تقتضي ذلك، كما اقتضت الأمريكان القتل في فيتنام.
وهنا يتساءل الشيخ محمد عبد المقصود:
في أي كتاب فقهي يوجد أنه يجوز قتل ألف شخص تجنبا لصدام محتمل متوقع؟ في إشارة منه للوصف الذي أطلقه السيسي على الإرهاب المحتمل، الذي طلب بسببه تفويضا لمحاربته!
وقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي أن المصلحة التي يرتكب من أجلها بعض المحظورات لا بد أن تكون ضرورية قطعية كلية، فهل يتوافق ذلك مع إرهاب محتمل!
يقول الإمام الغزالي:
إن الكفار إذا تَتَرَّسُوا بجماعة من أسرى المسلمين.
فلو كففنا عنهم، لصدمونا وغَلَبُوا على دار الإسلام، وقتلوا كافة المسلمين.
ولو رمينا الترس، لقتلنا مسلمًا معصومًا لم يُذْنِب ذنبًا، وهذا لا عهد به في الشرع.
ولو كففنا، لسلطنا الكفار على جميع المسلمين، فيقتلونهم، ثم يقتلون الأسارى ـ أيضًا.
فيجوز أن يقول قائل: هذا الأسير مقتول بكل حال، فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع.
لأنا نعلم ـ قطعًا: أن مقصود الشرع تقليل القتل، كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، فإن لم نقدر على الحسن، قدرنا على التقليل.
وكان هذا التفاتًا إلى مصلحة، علم بالضرورة كونها مقصود الشرع، لا بدليل واحد، وأصل معين، بل بأدلة خارجة عن الحصر.
لكن، تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق ـ وهو قتل من لم يذنب ـ غريب، لم يشهد له أصل معين.
فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين.
وانْقَدَحَ اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف:
ـ أنها ضرورة.
ـ قطعية.
ـ كلية.
وليس في معناها: ما لو تَتَرَّسَ الكفار في قلعة بمسلم، إذ لا يَحِلُّ رمي الترس، إذ لا ضرورة، فبنا غنية عن القلعة، فنعدل عنها.
وليس في معناها إذا لم نقطع بظفرهم بنا؛ لأنها ليست قطعية، بل ظنية.
وليس في معناها جماعة في سفينة، لو طرحوا واحدًا منهم لنجوا، وإلا غرقوا بجملتهم؛ لأنها ليست كلية، إذ يحصل بها هلاك عدد محصور.
وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين؛ ولأنه ليس يَتَعَيَّن واحد للإغراق إلا أن يتعين بالقرعة، ولا أصل له.
وكذلك جماعة في مَخْمَصَة، لو أكلوا واحدًا ـ بالقرعة ـ لَنَجَوْا، فلا رخصة فيه؛ لأن المصلحة ليست كلية!
وأما عن الجانب التشريعي، فيقول الدكتور محمد سليم العوا
منذ صدور دستور 1971، بمادته الثانية التي تنص على أن المبادئ الإسلامية مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وقد تنادت الأصوات مطالبة بوضع هذه المادة موضع التنفيذ.
ومن هذه المبادرات، مبادرة إسماعيل معتوق النائب البرلماني، فقد قدم اقتراحا بتعديل قانون العقوبات المصري، بحيث يصبح مطابقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع : لم نهدم قانون العقوبات هدما ، ولم نطح به إطاحة بل عمدنا إلى نصوصه المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ، ولا يزيد عددها عن ست وخمسين مادة ، والتي تبعد به عن نصها وفحواها ، فاستللنا منه كما يستل المرض الخبيث من الجسم العليل، وكررنا عليه بالأحكام الشرعية بما لا يزيد عن أربع وأربعين مادة لتكون القلب النابض والعقل الناضج الذي يعيد إليه الحياة بعد طول ممات ، وتضيف المذكرة أنها لم تعتبر إلا الأحكام التي اتفق عليها جميع الفقهاء معتبرين اختلافهم شبهة تدرأ الحد !( انظر كتاب : في أصول النظام الجنائي الإسلامي ، ص 42)
فهل سيضع السيسي مبادرة معتوق – رحمه الله-موضع التنفيذ حتى يصدق عليه أنه يريد تطبيق الشريعة الإسلامية
أم أن الأمر كما قال الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية
إذا كان حزب النور يبدو ساذجاً حين يتصور أن السيسي سيطبق الشريعة، فإن بعض الشباب المحسوب على الثورة يصبح أكثر سذاجة حين يتصور أنه سيحقق العدالة الاجتماعية".
أو كما قال الدكتور محمد الصغير مستشار وزير الأوقاف الشرعي " إن السيسي سيطبق الشريعة لحزب النور على طريقة الصوفية بالرضا الليبرالي والتأييد اليساري والخطة الناصرية على مسرح الفن في قداس الأحد "
لكن في المقابل، لم لا يكون السيسي مرشحا إسلاميا، وقد احتاط في أمر الدماء، فلم يقتل في عهده وأمره في رابعة إلا ثلاثة آلاف فقط على أقصى تقدير، بينما كان بوسعه أن يحصد رؤوس الملايين بفتوى أستاذ الشريعة (د. علي جمعة) اضرب في المليان، أو فتوى صنوه الآخر (د. نصر فريد واصل) هؤلاء محاربون يستحقون حد الحرابة، أو فتوى أستاذ الفقه المقارن اللامع الجديد في إراقة الدماء (د. عبد الفتاح إدريس) هؤلاء خوارج العصر.